أكراد بلاد الشام ( سوريا) : أماكنهم وعشائرهم وتوزعهم

الأكراد

يكثر وجود الأكراد في شمالي بلاد الشام على مقربة من الحدود التركية الحالية في محافظتي الجزيرة وحلب ، ممن سنذكرهم بالتفصيل ، وكل هؤلاء أكراد أقحاح لم تتصل إليهم العربية بشيء ،

أما في وسط بلاد الشام فعدد الأكراد قليل ، إلا أن لهم بقاعاً يؤلفون فيها كتلاً مجتمعة ، كالذين في ناحية جبل الأكراد التي بين جسرا الشعر واللاذقية ، وفي حي الأكراد من أرباض دمشق ، وفي قرية أكراد إبراهيم في وعر حماة غربي العاصي ، في حين أن مجيء الأكراد إلى وسط بلاد الشام قديم ، وربما كان أول من أتى بهم هو عامل حمص شبل الدولة نصر بن مرداس سنة ٤٢٤ هـ ، ، وأسكنهم في حصن الصفـح ، ليحفظوه ويصونوا الطريق بين حمص وطرابلس ، فسمي الحصن منذ ذلك الحين : حصن  الأكراد ، وهو في قضاء تلكخ من أعمال محافظة اللاذقية ، وقد بقوا فيه نحو قرن ونيف إلى أن جاء الصليبيون ، واستخلصوه منهم سنة ٥٣٠ هـ فتشتتوا ، ثم كثر توافد الأكراد في عهد الدولتين النورية والصلاحية لخوض غمار الحروب الصليبية والإبلاء فيها كما قدمنا ، ولعل كل من أدى واجبه في الجهاد من هؤلاء كان يعود أدراجه ، والذين بقوا منهم  استعربوا وذابوا في البيئة الشامية ، ولم يحتفظ بصلته بماضيه الكردي إلا الذين وفدوا في العصور الأخيرة ، منهم سكان ناحية جبل الأكراد في قضاء الحفة من أعمال اللاذقية في قرى أرض الوطا ومزين والدوير. ومنهم بعض بيوتات متفرقة في أماكن مختلفة ، ذات مكانة غير يسيرة ، أكثرها عدداً وأكبرها ملكاً وجاهاً آل مرعب في قضاء عكار ، وجاؤوا من أنحاء حكاري منذ قرنين ونصف ، واستعربوا تماماً ، وقد بقي من آثار كردية هؤلاء ، طولهم وعرضهم وعجمة لهجتهم ، وضخامة لبادتهم التي يلبسونها تحت الكوفية والعقال ، فهي طويلة وثقيلة أكثر من اللزوم ، ويلقبون بلقب ( بـك ) منذ أن صار جدهم علي الأسعد المرعبي ( باشا ) وحاكماً في أنحاء طرابلس وأقضيتها في القرن الهجري الماضي ، ويليهم آل البرازي في مدينة حماة ، جاؤوا منذ قرن ونصف من أنحاء الرها ، واندمجوا إلا قليلاً ، ومنهم سكان حي الأكراد أحد أرباض دمشق الذين ينتمون إلى أصول ومنابت مختلفة ،

وهؤلاء على الرغم من اختلاطهم بالدمشقيين من عهد الدولة الصلاحية ، واقتباسهم اللغة والأزياء العربية ، لا يزالون محتفظين بلغتهم وعقليتهم الكردية ، وأكثر طباعهم الأصليـة لاستمرار مجيء الوافدين من حكاري ووان وغيرها من بلاد الأكراد الشمالية إلى هذا الحي، الذي يعدونه ملاذ كل خاطئ أو خائف منهم ، ولدوام اتصال سكانـه بـأهل تلك البلاد النائية بسبب تجارة الغنم التي يجلبونها من هناك، ويميرون معظم بلاد الشام بلحومها ، وهم أبناء بجدة هذه التجارة المحتاجة إلى كثير من الجلد والمضاء ، حاز بعضهم من ورائها ثروة غير يسيرة ، وزادها آل يوسف وآل شمدين منهم ملكاً وجاهاً عظيمين ، وقلة اكتراث أهل هذا الحي بالدراسة والثقافة قبلاً ، كانت تسوق كثيراً منهم في عهد العثمانيين نحو الارتزاق من التجند في سلك الدرك ، أو التوظف في جباية الأموال الأميرية ، أو التزام الأعشار ، أو وكالة المزارع والضياع ، أو خفارة المباني والمصانع ، وغيرها مما يحتاج للقوة والغلظة . ولما نضب معن النفع من هذه المواد ، بانقضاء ذلك العهد تغير حالهم في الجملة وصاروا يتعلمون ويتثقفون ، وانصرف بعضهم إلى الصناعات اليدوية وخلافها .

على أن السواد الأعظم من عشائر الأكراد يقطن في محافظة الجزيرة ، ويمتد من أقصى شمالها الشرقي في قضاء ديريك قرب دجلة ، ويتجه نحو الغرب إلى قضاء القامشلي ، ثم إلى ناحية رأس العين ، ثم إلى قضاء عين العرب في محافظة حلب ، ثم إلى القضاء المسمى باسمهم الخاص وهو جبل الكرد ( كرد داغ ) شمالي حلب ، ثم إلى قضاء الباب شرقي حلب ، ثم إلى ناحية ( جبل الأكراد ) في قضاء الحفة من أعمال اللاذقية ، وأكراد هذه الناحية قـد استعربوا بالمرة ، ولم يبق عارفاً اللغة الكردية منهم إلا الطاعنين في السن ، وأغلبهم من عشيرة شيخان ، ويظهر من استعرابهم هذا أنهم هنا من نحو قرنين أو ثلاثة ،

والعشائر الكردية التي في قضائي ديريك والقامشلية متحيرة بين الحدود التركية والعربية بعضها هنا وبعضها هناك ، على أن كثيراً من أكراد بلاد الترك ، صار يتهافت نحو المنطقة العربية في الجزيرة ، ويتسابق إلى إحياء القرى وإنشاء المزارع ، والفلاح الكردي يحسن العمل ويؤدي الواجب في زراعته ومعاملته ، ومن زعماء الأكراد الذين يذكرون في الجزيرة نايف بن مستو باشا وحسن بن حاجو آغا ، وعبدو آغا المرعي ، وخليل بك بن إبراهيم باشا الملي وابنه محمد علي بك ،

ومن شيوخ الدين عند الأكراد يذكر الشيخ أحمد خزنة المقيم في قرية تل خزنة شرقي القامشلي ، وله عندهم حرمة وكرامة تقربان من حد التقديس ، أن حتى مريديه لا يرفعون بصرهم نحوه، بل يتلقون أوامره وهم مطرقون وصامتون ، وهو فيا قيل عالم فاضل ، وعنده مدرسة على حسابه يطعم ويكسي ويدرس طلابه على حسابه ، وكلمته ورسالته معتبرتان عند شيوخ الأعراب أيضاً ، ويليه الشيخ إبراهيم حقي في قرية حداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top