أين تقع ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في العباد
تقع في الأحقاف : هي التلال من الرمل التي بين حضرموت وعمان، وهي قرى متفرقة.
وروي عن عبد الله بن قلابة رضي الله عنه أنه خرج في طلب ابل له شردت فبينما هو في صحارى بلاد اليمن وأرض سبأ إذ وقع على مدينة عظيمة بوسطها حصن عظيم، وحوله قصور شاهقة في الجو،
فلما دنا منها ظن أن بها سكاناً أو أناساً يسألهم عن إبله، فإذا هي قفر ليس بها أنيس ولا جليس،
قال: فنزلت عن ناقتي وعقلتها ثم استللت سيفي ودخلت المدينة ودنوت من الحصن، فإذا ببابين عظيمين لم ير في الدنيا مثلهما في العظم والارتفاع،
وفيهما نجوم مرصعة من ياقوت أبيض وأصفر يضيء بها ما بين الحصن والمدينة، فلما رأيت ذلك تعجبت منه وتعاظمني الأمر فدخلت الحصن وأنا مرعوب ذاهب اللب،
وإذا الحصن كمدينة في السعة،وبه قصور شاهقة وكل قصر منها معقود على عمد من زبرجد وياقوت، وفوق كل قصر منها غرف، وفوق الغرف غرف أيضاً
وكلها مبنية بالذهب والفضة مرصعة باليواقيت الملونة والزبرجد واللؤلؤ، ومصاريع تلك القصور كمصاريع الحصن في الحسن والترصيع.
وقد فرشت أراضيها باللؤلؤ الكبار وبنادق المسك والعنبر والزعفران.فلما عاينت ما عاينت من ذلك ولم أر مخلوقاً كدت أن أصعق
فنظرت من أعالي الغرف فإذا بأشجار على حافات أنهار تخرق أزقتها وشوارعها، منها ما أثمرت ومنها ما لم تثمر،
وحافات الأنهار مبنية بلبن من فضة وذهب.
فقلت: لا شك أن هذه الجنة الموعود بها في الآخرة، فحملت من تلك البنادق واللؤلؤ ما أمكن وعدت إلى بلادي وأعلمت الناس بذلك.
فبلغ الخبر معاوية بن أبي سفيان وهو الخليفة يومئذ بالشام فكتب إلى عامله بصنعاء أن يجهزني إليه فوفدت عليه فاستخبرني عما سمع من أمري فأخبرته فأنكر معاوية إخباري فدفعت له من ذلك اللؤلؤ وقد اصفر وتغير، وكذلك بنادق العنبر والزعفران والمسك،
ففتحها فإذا فيها بعض رائحة، فبعث معاوية رضي الله عنه إلى كعب الأخبار فلما حضر قال له: يا كعب إني دعوتك لأمر أنا من تحقيقه على قلق ورجوت أن يكون علمه عندك.
فقال: ماذا يا أمير المؤمنين ؟ قال معاوية: هل بلغك أن في الدنيا مدينة مبنية من ذهب وفضة عمدها من زبرجد وياقوت وحصباؤها لؤلؤ وبنادق مسك وعنبر وزعفران ؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين، هي إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، بناها شداد بن عاد الأكبر .