كتب أستاذ التاريخ “هاوارد زين” يقول: إن الرأسمالية الأمريكية كانت بحاجة إلى منافس دولي وحرب دورية، لخلق مجتمع ربوي مصطنع بين الأغنياء والفقراء، مستبد ً لا المجتمع الربوي الأصلي بين الفقراء الذي أظهر نفسه في الحركات المتقطعة والحقيقة أن المرابين الصغار والكبار لا تنمو تجارتهم ونشاطاتهم إلا وسط الفقراء المحتاجين للمال، هذا على مستوى الأفراد أما على المستوى الدولي، فالدول الفقيرة هي الدول المقترضة بالفوائد الربوية التي تقل اقتصاديات تلك الدول الفقيرة وتزيد الدولة الغنية الكبرى وهي التي تعطي تلك القروض الربوية تزيدها غنى وثراءً.
وحتى تظل الدول الفقيرة فقيرة والدول الغنية أكثر ثروة وما ً لا، يجب أن يسود الشقاق والنزاع والحروب على أي شيء بين الدول الفقيرة، حروب حول الحدود، حروب حول مصادر الطاقة، حروب طائفية أو عرقية.
ومن العجيب أن تلك الدول المتحاربة دول فقيرة تحت خط الفقر، ورغم ذلك تجد رجالها يحملون السلاح ويقتلون ويذبحون غيرهم، فمن يعطيهم هذا السلاح رغم فقرهم وعدم امتلاكهم ثمن القوت الضروري لاستمرار الحياة!!.
إنها الدول الكبرى الغنية، التي سيطر عليها أصحاب نظرية المؤامرة، والهدف هو عدم استقرار العالم، حتى يعتقد العامة ويؤمنون بوجوب حكومة عالمية تحكم العالم أو تتحكم في العالم وثرواته وتوزع تلك الثروات بمعرفتها عليهم!!.
في دراسة تم علمها في أوائل الستينيات من القرن العشرين وفي عهد الرئيس جون كيندي، ثم افتراض أن السلام يسود العالم، فماذا يحدث!!.
إنه افتراض جدلي، لكن الأمريكان وضعوا هذا الافتراض تحت الدراسة كعادتهم ووضعوا سيناريوهات وحوارات مختلفة، فهم أصحاب صناعة السينما، وملوك الأفلام الخيالية فيها، واشترك في الدراسة مسؤولي إدارة كيندي أمثال “جورج بندي وروبرت ماك نامارا ودين راسكينا، وكلهم أعضاء في منظمات الهيئة الثلاثية ومجلس العلاقات الخارجية، وبيلدر بيرغرز،
وكان هدف كيندي هو إنهاء الحرب الباردة التي كانت قائمة في ذلك الوقت، وتم تشكيل مجموعات عمل لهذه الدراسة الهامة التي ضمت نحو ١٥ عضوا من مختلف التخصصات أساتذة تاريخ وخبراء في الاقتصاد وعلم النفس والاجتماع وفلكيين وخبراء في الصناعة، وأجتمعوا مرة كل شهر في مواقع مختلفة، ولكن اجتماعاتهم الرئيسية في مؤسسة “جبل الحديد” وهي مؤسسة أرضية عبارة عن ملجأ نووي، قرب هدسون في نيويورك، موقع معهد هدسون المعروف بأنه مركز الأمان لمنظمة مجلس العلاقات الخارجية في حال الهجوم النووي.
وتم عمل تقرير حول الموضوع أطلق عليه أو عرف باسم “تقرير جيل الحديد”،
وبالطبع فإن هذا التقرير كان سرياً للغاية، إلا أن نسخة منه تم تسريبها بمعرفة رجل من أعضاء اللجنة التي شاركت في كتابته يدعى “جون دو” البروفيسور في جامعة “ميدوسترن” و نشر عام ١٩٦٧ م بمعرفة الناشر دبال برس، وقد أخبر “جون دو” الناشر أنه يوافق على معطيات الدراسة، ولكن يختلف مع قرار المجموعة في إخفاء عملهم من الناس، وأضاف: إن الجمهور الأمريكي، الذي قام بدفع أموال ضرائبه لقاء التقرير، كان له الحق بأن يعرف نتائجه المقلقة.
قال “جون دو”: ((فتيان جبل الحديد، كما يدعون أنفسهم، يقومون بعمل دراسة غير رسمية،خارج الكتب وسرية، وغير معنية بالتحديدات الحكومية، وقد قدموا تقريرهم في آذار١٩٦٦ م)).
وقد أوضح التقرير أن الحرب هي النظام الاجتماعي الأساسي الذي تتصارع فيه أشكال وصيغ أخرى ثانوية من المنظمات الاجتماعية وأنه النظام الذي غطى معظم المجتمعات الإنسانية.
ورأى كتاب التقرير أن الحرب هي ضرورية ومرغوبة معًا باعتبارها قوة التنظيم الرئيسية بالإضافة إلى أنها الأساس الاقتصادي للمجتمعات الحديثة.
وأضافوا بأنه لا يمكن أن يسمح النظام الحربي أن يختفي ويجب على الدول الكبرى العمل من أجل ذلك الهدف، لأن إلغاء الحروب يتضمن إلغاء السيادة الوطنية للأمة الأمريكية.
وجاء في التقرير اقتراح يجب فعله بالمحرومين اقتصادياً أو ثقافياً:
((البديل الممكن لضبط الأعداء المحتملين في المجتمع هو إعادة إنتاج العبودية بشكل يتناسب مع التكنولوجيا الحديثة والتطور السياسي، إن تطوير شكل معقد من العبودية يمكن أن يكون مطلبًا أساسياً وشرطا مطلًقا للضبط الاجتماعي في عالم يعيش في سلام.
ووضع التقرير بدائل لمهام الحرب تتلخص في النقاط التالية:
برنامج رخاء اجتماعي شامل.
نظام تفتيش لنزع أي سلاح نووي.
قوة بوليس دولية دائمة الحضور مثل قوة حفظ السلام الدولي.
تكوين بيئى عالمي واسع.
خلق بدائل عدوانية خيالية مثل قادة إرهابيين أو رؤساء دول ديكاتوريين مثل صدام وميلوزوفيتش.
خلق أديان جديدة وعقائد أخرى.
تنشيط ألعاب عريقة متألقة أجتماعيا مثل كرة القدم.
واقترحوا إنشاء وكالة بحث حرب وسلام دائمة في أعلى مراتب السرية بأمر رئاسي، تكون منظمة بالتوافق مع مجلس الأمن القومي الأمريكي.
وبالفعل استثمرت الحكومات الأمريكية المتعاقبة منذ الستينيات وحتى الآن الحروب التي أشعلوها في العالم، وامتلأت خزائنهم بالأموال،
واستطاعوا مؤخرًا السيطرة على منابع النفط في العالم باحتلال الدول عسكريا واقتصاديا، إنه التخطيط الأمريكي التوراتي المنظم، ولكن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يعيرون اهتماما وهذا هو سر نجاح أصحاب المؤامرة التوراتيين من اليهود والإنجيليين الجدد.
سر حرب الخليج الثانية والثالثة:
إذا كانت حرب العراق وإيران تسمى حرب الخليج الأولى، فإن احتلال العراق للكويت هي حرب الخليج الثانية وتحريرها هي الثالثة.
من كواليس هذه الحروب تقف جماعة المرابين الدوليين وراء الستار، لقد كان العراق يملك خامس أكبر الجيوش على مستوى العالم، وهذا ما دفع أمريكا وحلفاءها من زج صدام، للصدام مع إيران لإنهاك هذا الجيش القوى، واستنزاف أموال البترول العراقية خلال ثمان سنوات هي عمر تلك الحرب التي خسرها الطرفان وكسبها أصحاب القروض الربوية الذين مولوا هذه الحرب وغيرها.
لقد تم دفع صدام حسين لخوض تلك الحرب لمصلحة إسرائيل أو ً لا ثم مصلحة الذين أعطوه المال بالربا كي يخوض الحرب حتى إنه لم يستطع دفع الديون وفوائدها، وتحت ضغط أصحاب المصارف العالمية لرد الديون، ورفض منظمة الأوبك للدول المنتجة للبترول السماح لصدام برفع أسعار البترول، ثم توجيه نظره إلى جارته الكويت لسداد ديونه بالاستيلاء عليها!!.
وتم التخطيط لتلك الحرب من قبل الرئيس بوش الأب ووزير جارجيته “جيمس بيكر”، فقد كان بوش الأب وعائلته وهو عضو سابق في منظمة مجلس العلاقات الخارجية والهيئة الثلاثية ومنظمة الجمجمة والعظام السرية، وصاحب شركات النفط وشريك آل روكفلر المسيطرة على النفط الأمريكي والعالمي، كان من مصلحته هو ووزير خارجيته المشارك له في تجارته أن يعملا على زيادة أسعار النفط العالمي واشعال نيران الحرب بين العراق وجيرانها، وأن يقسم العالم العربي وإيجاد مكان للولايات المتحدة في تلك المنظمة المليئة بآبار البترول وأيضًا حماية إسرائيل والإسراع نحو تحقيق الهدف الأسمى وهو إنشاء حكومة عالمية موحدة بزعامة أمريكا.
ومن المعلوم أن بوش الأب عمل مديرًا للمخابرات الأمريكية، وكان على علاقة حميمة بصدام حسين خلال عمله أيضًا كنائب للرئيس ريجان، وقام بدعمه سياسياً وعسكرياً إبان حربه مع إيران، وفي عام ١٩٩٠ م غض الطرف عن الحشود العراقية على الحدود الكويتية، وفي يوليو ١٩٩٠ م طلب صدام النصيحة من أمريكا حول نواياه لاستعادة الكويت التي كان يؤمن أنها جزء من العراق القديم، والتقى صدام بسفيرة الولايات المتحدة أبريل غلاسبي التي أخبرته بصراحة:
((إن لدي تعليمات مباشرة من الرئيس بوش لتحسين صلاتنا بالعراق ولدينا تعاطف شديد من جهودكم لأسعار نفط أعلى والتي تشكل السبب الحالي لصدامكم مع الكويت)).
ثم سألته: لقد تسلمت معلومات لأسألك بروح الصداقة، وليس التصادم، فيما يتعلق بنواياك.
لماذا تحشد جنودكم قريبًا جدا من حدود الكويت؟.
فأجابها صدام أن هناك مشاكل حدودية مع الكويت وسألها: ما هو رأي الولايات المتحدة حول هذا؟.
فأجابت غلاسبي: ليس لدينا رأى فيما يتعلق بنزاعاتكم العربية العربية، مثل نزاعكم مع الكويت، لقد وجهنى وزير الخارجية السيد بيكر أن أشدد التعليمات المعطاة أو ً لا للعراق في الستينيات، أن المسألة الكويتية ليست مرتبطة بأمريكا.
وهكذا أوضحت أمريكا على لسان سفيرتها عدم تدخلها في النزاع بين العراق والكويت وأعطت صدام الضوء الأخضر لغزوه للكويت وهذا ما حدث بالفعل.
وسافرت السفيرة الأمريكية بعد وقت قصير من مقابلتها لصدام كي تمضي عطلتها الصيفية في بلادها، وتلك إشارة على عدم اهتمام أمريكا بما سيفعله صدام مع الكويت.
ولكن بعد غزو صدام للكويت أظهر بوش الأب الوجه الآخر القبيح لصدام، وقام بتجميد أرصدة العراق وممتلكاته في الولايات المتحدة وتلك كانت البداية.
وبعد عام من الاحتلال العراقي للكويت كانت أمريكا قد جمعت دول العالم لغزو الكويت وتحريرها والقضاء على الجيش العراقي، وهذا ما تحقق بالفعل على أرض الواقع، واستفادت أمريكا من تلك الحرب، وأوجدت لنفسها أقداما ثابتة في المنطقة وقضت على جيش العراق ثم
انتهى الأمر باحتلال العراق ذاته عام ٢٠٠٣ م والقبض على صدام حسين حليف أمريكا السابق.
قد يظن القارئ أننا نعرض لسيناريو من سيناريوهات أفلام هوليود الأمريكية، لكن الحقيقة الثابتة في كتب التاريخ المعاصر بالوثائق
لقد استغل بوش الأب ما فعله صدام أحسن استغلال فقد أقنع دول الخليج والجزيرة العربية من أن صدام هو هتلر الجديد وأنهم سيكونون الهدف التالي بعد غزو الكويت، ودفع الكل فاتورة الحماية الأمريكية.
ثم جاء بوش الابن الذي كان يعمل مستشارًا وعضو مجلس إدارى لشركة هاركسن أنرجي التابعة لشركة غراند باريرى تكساس ليعتلى كرسي الرئاسة الأمريكية في المكتب البيضاوي ويكمل مسيرة أبية التي بدأها عام ١٩٩٠ م وقام بغزو العراق ذاته.
وقد ذكر أهل الخبرة المالية أن بوش الأب أمر قواته بالذهاب إلى المنطقة العربية لحماية تنقيب شركة هاركس، وقد أظهرت سجلات بيع أسهم بوش في هاركسن فجأة في أذار عام ١٩٩١ م ثمانية أسهم بعد يوليو تموز عام ١٩٩٠ م من أجل حفظ مثل تلك الأقاويل.
وبعد أسبوع واحد من دخول قوات صدام الكويت انخفضت أسهم شركة هاركسن، وكشفت السجلات أن بوش كان قد باع ٦٦ % من أسهمه في تلك الشركة في حزيران يونية ١٩٩٠ م أي قبل أسابيع من الغزو العراقي للكويت!!.
وكان سعر السهم ٤ دولارات ثم انخفض بعد ذلك إلى ٣,٠٣ دولار الأمر الذي در عليه ربحًا قدره ٨٤٨,٥٦٠ دولارا، وذلك قدر يسير جدا.