الديمقراطية
جاءت الديمقراطية لأن الناس ارادوا أن يعيشوا احراراً..
ولم تفد علينا الديمقراطية الأمريكية من تلقاء نفسها بل كان حينها نتيجة جهاد وكفاح ..
انها تجعل من الافراد سالة انفسهم .. انها تقدم الينا الكثير من الفرص . بل انها تلقي بالمسؤوليات على كامل كل فرد في المجتمع ..
ثم انها تمهد الطريق إلى ما لا نهاية له من تقدم وفلاح ..
أن النظام الذي درجنا عليه في أمريكا هو من صميم المذهب الديمقراطي ، الذي لم نحي في ظل نظام سواه ، ولذا فإننا نميل إلى التسليم بصلاحيته .
ولقد غاب عن بالنا أن الديمقراطية سلخت دهراً طويلاُ في سبيل تكوينها ، ولم تستكمل نشأتها إلا بعد جهاد استمر مئات السنين .
ثم جاءتنا أخيرة لأننا صممناً أن نعيش أحرارة ، ولأننا نمفت أن نسات جماعات جماعات من مكان إلى آخر .
وفكرة الديمقراطية تتلخص في أن يحكم الناس أنفسهم ، دون أن يكونوا رعايا خاضعين مستعبدين .
ذلك لأن الناس لهم المقام الأول و الصدارة . ثم تليهم في المرتبة الثانية ، السلطات الحاكمة .
وفي ظل النظام الديمقراطي بحكم المجتمع نفسه من أجل نفسه .
ويتبوأ الناس أمم المراكز .
أما السلطات فإنها تصبح خطيرة من أسبغنا عليها هذا الوصف . وإذا تقصينا هذه الفكرة في أريخ الإنسانية لم نر لا وجودا مطلقاً ، ذلك أن الناس كان يحكمهم ملوك ، أو أباطرة ، أو دكتاتوريون ، وهؤلاء يمنحون رعاياهم حقوقاً ضئيلة ، وامتیازات فردية تافهة، دون أن يكون لهؤلاء الرعاة صوت أو ثميل في الحكومة القائمة . فلم يكن لهم هناك حرمة ، او درع أو وقاية ..
بل كانت تفرض عليهم الضرائب الفادحة ، ويقبض عليهم ، بل يعدم أفراده لمجرد اشارة ، أو خاطر طاریء .
وأول ما نشات الديمقراطية في اليونان .
ولكن جذورها، وهي أهم ما في عصرنا الحالي ، نبنت في انجلترا منذ سبعة قرون ، حين رفع الملك جون دستور” الماجنا کارنا”، في سنة ۱۲۱۰ . ولم يكن يرغب في ذلك من صميم فؤاده لأنه شعر أن فيه تسليماً واعترافاً بقيام قوة أخرى إلى جانبه تملك بين يديها السلطان .
والمعروف أن رؤساء الدول وأعضاء الهيئات الحاكمة يرفضون التنازل عن جاههم وسلطانهم الذي استحوذوا عليه بل يتشبثون به خشية أن يفلت من بين أيديهم .
اما الديمقراطية فإنها تنص على أن قوة السلطان يجب أن تكون في أيدي الشعب .
ومنذ أن تم التوقيع على الماجنا کارنا وقعت في انجلترا احداث متعاقبة استمرت زهاء الأربعة قرون.
ولقد كانت العملية بطيئة ، ولكنها انتهت إلى إقرار النظام البرلماني هناك ، عندما وقف السير ادوار كوك في مجلس العموم في مستهل القرن السابع عشر ، ونادي في جرأة منقطعة النظير بعدم قانونية بعض المراسيم الملكية لمخالفتها للدستور ، وانها أصبحت غير ملزمة التنفيذ.
وهكذا كانت انجلترا مهداً للديمقراطية .
غير أنها لم تمنح مستعمراتها الأميركية مثل هذا الامتياز وظلت تعامل سكانها كقطيع من السائمة .
وألهبت القيود التي فرضت على المستعمرات من قوة الكفاح في سبيل الحرية ، بدلا من أن تقضي عليها. وكان هذا ، كما نعرف جميعاً ، السبب الذي شبت من أجله نار الثورة الأمريكية التي أسفرت عن قيام أقوى دولة في العالم الحديث هي : الولايات المتحدة الأميريكية .
ولقد اقترن قيامها بتقوية دعائم المذهب الديمقراطي عند إعلان الاستقلال ، والدستور، والملحقات المتصلة به والمعروفه بوثيقة حقوق الإنسان .
وإننا نعترف أننا لم نصل بعد إلى إمكان قيام ” حكومة كاملة رشيدة” .
وعلى الرغم من ذلك ، فما ظنك في أمر سعادتنا ..؟
وفي حرياتنا ؟
وفي تقدمنا ورقينا ؟
وفي مستوی رخائنا ؟
وفي كياننا الصحي ، وسلامة وجودنا المادي والمعنوي ما نحن مدينون به لنظامنا الديمقراطي ؟
إننا نضع هذا كله أمام كل قارئ، ليتدبره ويقدره ویزنه .
فإن أساليب الحكم التي نلبعها لم تصل إلينا عفواً ، بل وصلنا إليها من بعد جهد ولأي .
فعند انتهاء الحرب في سنة ۱۷۸۱ كانت الولايات الثلاث عشرة التي يتكون منها الاتحاد في موقف يسمح لكل منها بتكوين حكومة مركزية ، ولكن الحيرة والارتباك والمفاضة بين أي نوع من نظم الحكم يحسن اتباعه، كانت بالغة الخطورة ، وظلت الولايات ست سنوات بعد ذلك وهي تتخبط في مسیرها ، وتعثر وهي تمشي في اتجاه غير أمين .
وقصرت مواد قانون الاتحاد الضعيفة الضيقة عن توجيه الشعب وإمداده بما هو في حاجة ماسة البه من آراء ومقترحات . وعقد مؤتمر دستوري شهده مندوبون من الولايات والتأم شمل أول حفل انتخابي ، ثم بعده انتخاب أعضاء مجلس الكونجرس .
وفي سنة ۱۷۸۹ احتفلت البلاد بانتخاب واشنطن رئيساً للولايات المتحدة وقسمت مهام الحكومة إلى ثلاثة أقسام رئاسية .
التشريعية والتنفيذية ، والقضائية .
وقام لأول مرة نظامنا المشهور في المراجعة ، والموازنة . وتمتع كل قسم من الأقسام الثلاثة بالحماية والاستقلال عن القسمين الآخرين .
وظهرت قوة النقد الصحفي عندما أرادت السلطات حماية الرئيس أو الكونجرس بتوقيع عقوبات على الصحفيين ، فقد اضطر الكونجرس أنت بسحب مشروع قانون سنة ۱۷۸۹ الذي وضع لذلك .
والصحافة هي الأمة والشعب وأفراد الجمهورية ، وقد جعلتهم الديمقراطية سادة أنفسهم كما رأيت :
إذ تلقي على كاهل كل فرد منهم مسئولية مشتركة قبل المجتمع .
وتحمي الناس من أن يكتسحهم من هنا وهناك صاحب قوة أو سلطارن .
وتساعدهم على الاستمتاع بإوفر نصيب من السعادة و الرخاء .
بل ان أحسن ما في الديمقراطية أنها قائمة على الفكرة القائلة بأن السعادة الإنسانية والتقدم البشري يمكن أن يكون له وجود ما دامت أنا وأنت تشعر بالسعادة ونستمتع بالرخاء .
وما دمت أنا وأنت في طريقنا إلى النمو والتقدم ، وما دمنا نجد متعاً اخرى في الحياة فليس هناك حد من عنده الديمقراطية .
فالتقدم يمكن أن يستمر ويستمر .
وفي كل خطوة نخطوها تمهد لنا الديمقراطية الطريق إلى فلاح لا نهائي ، وذلك بتسهيل الوصول إلى حياة ممتعة سعيدة أبداً لكل فرد من أنصارها ، جزاءً وفاقاً لهم على مجهوداتهم الفردية .