تاريخ عشيرة الروالة في بلاد الشام

الروالة

عشيرة عنزية من ضنا مسلم ومن بطن الجلاس . وهي تعد أكبر عشائر عنزة عددا وأعظمها قوة ، وأوسعها جاها ونفوذة لدى الحكومات والسلطات في بلاد الشام ، ولها صلات وثقي بالمملكة السعودية ولاسيما بعد المصاهرات التي جرت بين آل سعود وآل شعلان ،

وهي آخر من هاجر ووصل إلينا من عشائر عنزة ، ويقال أن منها بقية لاتزال في مواطنها في شمالي الحجاز ، لذلك ما برحت أحفظ العشائر للتقاليد البدوية وأعرقها في القشافة ، وشظف المعيشة ، وأشدها تعلقة بالأباعر والقفار ، وأكثرها توغلا في النجعة والأسفار .

قال عنها محمد البسام المتوفي في سنة ۱۲46 هـ في كتابه ( الدرر المفاخر ) :

« ومنهم الروالة شيخهم الدريعي المشهور ، وهذه القبيلة أطول باعة في الكرم ، ورعي الذمم والمساواة للعائل ، ولارتكاب الفضائل ، والطعن في المضائق ، والضرب في المفارق ، أولئك المجد عليهم أجمل ، وأخبارهم في المكرمات أعرض وأطول ، وكل هؤلاء من بصرى إلى الشام ، اهـ .

وأكثر بيوت الروالة من نوع الخربوش ذي العمود الواحد، مما يجعل لحلالهم منظرة وضيعة ، ذلك لأنهم أهل إبل أقحاح لا يربون الغنم ماعدا فرقتي الفرجة والشعلان منهم ، وتربية الإبل تجعل أماكن نجعتهم شاسعة ، بعيدة من مفاوز الحماد ، التي لا تلائم تربية الغنم ومقدرتها ، وهو ما أبقاه حتى الآن كما قلنا على الفطرة البدوية القديمة ، حتى أن أكثر طعامهم من التمر وحليب النوق .

وهم فيما عدا عناصرهم الأصلية يجرون وراءهم ، ويضون عددا من العشائر ذات المكانة المتوسطة ، وهذه العشائر تسمى ( المحلف ) لأنها حالفت الروالة وأذعنت إليها في كل ظروف الحياة البدوية ، ويبسط الآن رئيس الروالة الأمير فواز الشعلان على هؤلاء الملف أيضا سلطته كما كان جده النوري من قبل .

ويقدر الباحثون أن عشيرة الروالة تحتوي على ۵۰۰۰ بیت و ۱۰۰۰۰۰ بعير و ۵۰۰۰ شاة و ۱۰۰ فرس ، وأن كلا من البيوت المذكورة يملك بندقية واحدة على الأقل ، ولاتزال الروالة تحتفظ بعطفتها ، وهذه العطفة لا توضع إلا في بيت أشجع العشيرة وأفرسها ، وقد بدلت مكانها مرتين خلال نصف القرن الأخير .

أما تاريخ الروالة فهو كغيرها من العشائر ، طافح بأخبار البدوات والغزوات والغارات وحوادث الاغتيال ، لاحتجاب الحكم والتفرد به ، وبعد أن كانت الرئاسة في فخذ القعقاع ، تسلمها آل شعلان بالقوة ، وظلوا منذ قرن پسودون الروالة كلها ، يرافقهم التوفيق تارة ، والإخفاق أخرى ، حتى جعلوا الروالة أقوى العشائر ، وأشدها منعة وعزة ، وألحقوا بها عدة عشائر أصغر منها ، انضوت إلى لوائهم وزحفت وراءهم .

ومن دواعي الأسف أن لا يكون للروالة تواریخ مسجلة ، وذکریات محفوظة عن ماضيها ووقائعها ، كما هو الحال لدى العشائر كلها ، بحكم الأمية وفقدان التدوين ، لذلك سنكتفي هنا بقيد مابلغه علمنا واستقراؤنا في مختلف المصادر ، وسنعني بما تم لها خاصة في قرننا الهجري الحالي .

قلنا أن الروالة وصلوا إلى بلاد الشام متأخرين ، أي بعد الأحسنة والولد علي والفدعان والأسبعة ، وكانوا في أول ورودهم يترددون بين وادي السرحان وأنحاء البلقاء وحوران ، ومازالوا يزحفون حتى استقروا في منازلهم الحاضرة ، وكانوا حین وروده في أوائل القرن الثالث عشر الهجري لا يستطيعون أن يمتاروا من حواضر هذه الأنحاء إلا إذا سمح لهم ابن سمير شیخ الولد علي ، لكنهم ظهروا بعد حين على الولد علي وغيرها من العشائر بکثرتهم وقوتهم ، واستطالوا إلى فرض الخوة على القرى المتطرفة في أنحاء البلقاء وحوران ، وأقلقوا الحكومات التي كانت في هذه الدار ، ومن هنا كان العداء متأصلا بينهم وبين الولد علي إلى أن زال في عهدنا .

ذكر السائح السويسري برکهارت الروالة في سنة ۱۲۲4 هـ. فقال :

 « عشيرة قوية كبيرة ، خيلها أكثر من كل العشائر ، وفي سنة ۱۲۲4 هـ. حاربت جيشاً مؤلفة من ستة آلاف جندي أرسله باشا بغداد وغلبته ، وهي تنزل البادية الممتدة من جبل شمر قرب الجوف إلى جنوبي حوران ، لكنها كثيرا ما تذهب شرقا نحو العراق ، وهي قد رفضت دفع الضرائب إلى رئيس الوهابية بعد أن اعتنقت مذهبه ، إن دفاعها القوي ضد باشا بغداد قد أدى للتصافي بينها وبين ابن السعود المذكور ، ففي سنة ۱۲۲۵ هـ ،رافقت الروالة ابن السعود في غارته على حوران ، وأوصلته إلى أغنى القرى ، وفي كل ربيع تأتي الروالة وتزور ابن سمير لكي تتوسط وتحصل على إجازة من والي دمشق لشراء مؤونتها من الغلال ، وليس للروالة أي حق في قبض الصرة ، ولا شيء من قوافل العراق ، إلخ …» .

وفي كتاب ( الدرر المفاخر ) للشيخ محمد البسام أن شيخ الروالة في زمنه (۱۲۶۹ هـ / ۱۸۳۰ م ) كان الدريعي المشهور ، والسائح الإنكليزي دوتي الذي جاء في سنة ۱۲۷۵ هـ / ۱۸۰۸ م ذكر الروالة وقال : إنها أكثر العشائر عددا ، وأشدها قوة ، وأن شيخها وقتئذ هو فيصل الشعلان ، وقد ذكرنا في بحث عشيرة الولد على أن العداء والتناحر كانا شدیدین بين الروالة والولد علي ، على أنها من ضنا مسلم ومن عنزة ، وذلك بسبب وقوف الولد علي في وجه الروالة ومنعها من النفوذ إلى براري حوران ، التي صارت منازل الولد علي ، منذ أن وفدوا وحصلوا عليها بالجهد والدم .

وكان التناحر على أشده بين فيصل الشعلان المذكور وخصمه محمد بن دوخي بن سمير شیخ الولد علي ، وفي معركة سنة ۱۲۷۰ هـ / ۱۸۰۸ م قتل من الطرفين نحو خمسمئة ، وفي سنة ۱۲۷۷ هـ/ ۱۸۹۰ م استعان محمد الدوخي بالقائد العثماني مصطفى باشا المرابط في اللجاه ، وانجلت المعركة عن قتل فيصل الشعلان مع ولده ، فعظمت صولة محمد الدوخي وقتئذ ،

 إلا أن الروالة ذات العدد الوفير استظهرت بعد وطغت ونفذت إلى أنحاء حوران والجولان ، وفي سالنامة ولاية حلب لسنة ۱۲۸۷ هـ/ ۱۸۷۰ م أن شيخ الروالة عامئذ كان هزاع بن نايف الشعلان وهو أبو النوري ، ثم جاءت السائحة الإنكليزية الليدي بلانت في سنة ۱۲۹۰ هـ / ۱۸۷۸ م ورددت ذكر الكثرة والقوة للروالة وأن شيخها آنئذ هو سطام بن أحمد بن منيف الشعلان ، ولسطام هذا وقائع مع بني صخر ، فقد أنجد سميه سطام بن فائز رئيس بطن الفائز من بني صخر ، ونصره على بطن الزبن من بني صخر أيضا وهزمهم إلى غور الأردن ، ثم كال هؤلاء له الصاع مرارة ، وغنموا منه غنائم جمة ،

وقد ظل سطام رئيسة على الروالة نحو تسع عشرة سنة ، ثم مات بحلول أجله ، في موقع اسمه الشاخي وسط الحماد ، فخلفه في سنة ۱۸۹۰ م فهد بن هزاع الشعلان ، ثم بعد مدة في سنة ۱۸۹4 م قتل فهد غيلة ، فقتل النوري العبد الذي قتله ، لكن هذا الاغتيال نسب إليه ، ومن ثم تقلد النوري رئاسة الروالة ، وظل فيها نحو نصف قرن ( ۱۳۱۲ هـ/ ۱۳۹۲ هـ ) دون منازع ، وقد حفل عهده بالأحداث الجسام ، فحق لنا أن نصفه في فصل خاص ،

وقد قضت الروالة القرن الثالث عشر الهجري كله في التطاحن والتناحر مع العشائر النجدية والشامية ، إلى أن دخل القرن الرابع عشر الذي لم يكن أقل من سلفه جلبة وأحداثا ، وقد كان الروالة خصوم شمر بن الرشید ، استخلصوا منه بقيادة نواف بن نوري الشعلان واحة الجوف ووادي السرحان وقريات الملح ، وسادوا ونعموا كثيرة ،

 وظل الشيخ نواف مدة مديدة يتقاضى أربعة مجیدیات عن كل جمل ملح ينقل إلى جبل الدروز وحوران وشرقي الأردن ، فجمع من ذلك ثروة كبيرة ، ولكن في سنة ۱۳۳۷ هـ عادت شمر واستردت هذه الأماكن منه عقيب معارك كانت الغلبة فيها على نواف ، ثم عاد الروالة بعد ثلاث سنوات ، وأستردوا ما فقد منهم ، لكنها لم تبق في أيديهم أكثر من سنتين ، إذ طلبها جلالة الملك عبد العزيز آل سعود عقب انتصاره في الحجاز ونجد وقضائه على بيت الرشيد فتخلوا له عنها ، ولم يبق هناك منهم سوى فرقة الدغمان التي يرأسها درزي بن دغمي ، وهي فرقة هجرت بلاد الشام منذ سنة 1331 هـ واعتنقت المذهب السلفي ،

وفي سنة 1335 هـ انفصل فخذ المشهور من فرقة الشعلان عن العشيرة ، وكان عدده زهاء ۱۰۰ – ۲۰۰ بیت والتحق بدرزي بن دغمي ، وكان رئيس هذا الفخذ فرحان بن مشهور شاباً مسعاراً للوثوب والحروب ، انضم في سنة ۱۳۶۹ هـ إلى فيصل الدويش شيخ عشيرة مطير النجدية حينما ثار على ابن سعود وأخفق ، فاضطر فرحان إلى الاستسلام للحكومة العراقية ، لينجو من ضغط الجيش السعودي ، ومازال حتى اغتيل سنة ۱۳۵۳ هـ .

وحاربت الروالة أيضاً وخاصمت عشيرة العمارات العنزية حتى سنة 1331 هـ/۱۹۲۳ م ، إلى أن تصالح ابن هذال رئيس العمارات ، وابن الشعلان رئيس الروالة ، بحكم اضطرارهما إلى مقاومة نفوذ الوهابيين الذي كاد يغمرها ،

 وكان أيضا بين الروالة والأسبعة عداء قديم زال في الصلح الذي قرره مؤقر رؤساء العشائر المنعقد في حماه سنة 1333 هـ ( حزيران ۱۹۲۰ م)، لكنه تجدد بعد ثلاث سنوات عقيب غزو قام به الأشاجعة والسوالمة ( أحلاف الروالة ولواحقهم ) على الأسبعة ، وزاده تفاقمأ هجوم مجحم الشعلان وطراد الملحم على بيوت الشيخ راكان المرشد رئيس الأسبعة ، خلافا لعادات البادية ،

واتسعت الفتنة ، وأنجد ابن هذال وابن مهيد الأسبعة ، فعم الخصام كل ضنا بشر ( الأسبعة والعبارات والفدعان ) على ضنأ مسلم ( الروالة . والأحسنة والمحلف ) واستطال الشر عدة سنوات ، وقتل عدد من كبار الضناین کسامي بن طراد السطام وهاشم أخو فارس الشعلان وعبد الكريم الملحم هؤلاء من ضنا مسلم ، أما في ضنا عبيد فقد قتل ابن شتيوي ، إلى أن صالحها المفوض سامي الافرنسي ،

لكن هذا الصلح الرسمي لم يقطع دابر الغارات ، وظل الكر والفر بين الروالة والأسبعة البطينات وحدهما في براري الحماد حتى شتاء سنة ۱۹۳۲ م، وخسر الفريقان كثيراً من الأنفس والإبل ،

إلى أن عقد مؤتمر عشائري كبير في قرية عدرا شرقي دمشق في مضارب الأمير نوري الشعلان ، وتم الصلح نهائياً وصفا الجو بين ضنا مسلم وضنا عبيد صفاء تامة، بفضل حكمة الأمير نوري وسماحته ، أما بين الروالة والعمارات فقد ظلت الغارات متواصلة أثناء نجعة الشتاء وداخل الحدود العراقية ، وعاقبت الحكومة العراقية الروالة وتقاضتها سبعمئة بعير .

وخاصمت الروالة أيضا عشائر جبل الدروز والصفاة واللجاة ودام شن الغارات والنهب والسلب بين الفريقين مدة مديدة إلى أن عقد الصلح أيضا وساد الوئام في يومنا .

ومما يذكر في تاريخ الروالة أن خديوي مصر عباس باشا الأول بن طوسون كان أرسل أحد أولاده إليهم ليتمرن عندهم على معيشة الخشونة والفروسية ، ولعله كان يرمي بذلك إلى الاقتداء بما ذكرناه عن الخلفاء الأمويين ( الجزء الأول ص ۸۲ ) ، لكن هذا الولد توفي حينما كانوا في أنحاء بصری حوران فأمر والده أن يدفن في مسجد مبرك الناقة في بصری المذكورة ، وأن يرمم المسجد لأجله ، بعد أن كان خرابا فتم ذلك في سنة ۱۲۷۱ هـ.

والمستشرق التشيكوسلوفاكي موزيل الذي قدمنا ذكره قد عاشر الروالة وعاش بين ظهرانيهم عدة سنوات ، وسلك سبيلهم في خشونة العيش والحل والترحال ، حتى صار يدعى بالشيخ موسى الرويلي ، وألف عنهم بالإنكليزية كتاباً جميلاً ذكرنا اسمه في بحث مكتبة البدو ، وحبذا لو وجد من يعربه ليستفيد أبناء الضاد من محتوياته .

Scroll to Top