في مشهد عظيم يوم الحساب تنقسم الناس قسمين ، قسم في النار وقسم في الجنة وكي لا يختلطوا ببعض خلق الله بينهم سورا يسمى الأعراف وعلى هذا السور رجال يسمون رجال الأعراف .
جاء في سورة الأعراف :
( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين(44) الذين يصدون عن سبيل الله عوجا وهم بالآخرة كافرين (45)
وتفسير الآية الأولى أنه بعد أن يستقر أهل الجنة وأهل النار كل في مستقره ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار ويقولوا لهم لقد وجدنا ما وعدنا ربنا به على لسان أنبياءه ورسله حقا ونحن الآن في الجنة، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم به على لسان أنبياءه ورسله من عقوبة أعل المعصية ؟
فيقول أصحاب النار : نعم لقد وجدنا ما وعدنا ربنا به حقا ، وعندها يؤذن مؤذن موجود بين أهل النار وأهل الجنة بأن لعنة الله على الظالمين الذين كفروا بالله ورسله وتجاوزا حدود الله وكانوا ظالمين وهؤلاء الكافرين كانوا لا تبعون طريق الله المستقيم ويمنعون بقية الناس عن سلوكه ايضا ويطلبوا من الناس سلوك الطريق المعوج حتى لا تبع الناس طريق الله المستقيم وهم يوم القيامة جاحدون كافرون .
وجاء في الآية (46 ) ومابعدها : وبينمها حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون(46) واذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين (47)
– الحجاب هو الحاجز وهو السور العظيم بين الجنة والنار وهو السور الذي ذكره الله تعالى بقوله ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله فيه العذاب )
والأعراف جمع عرف وهو كل شيئ مرتفع من الأرض حسب قول العرب ، وسبب تسمية عرف الديك بهذا الاسم لارتفاعه عن جسمه من باقي الأجزاء .
وقال السدي انا سمي السور بالأعراف لأن أصحابه الذين هم رجال الأعراف يعرفون الناس أي يعرفون أصحاب الجنة وأصحاب النار .
وبعضهم قال أن الأعراف هو الشيئ المشرف وأن الأعراف سور كعرف الديك يفصل بين الجنة والنار.
وقال بعضهم أنه سمع ابن عباس يقول أن الأعراف تل يفصل بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار، وبعضهم قال أن له باب.
هذا هو الأعراف لكن هل تعلم من هم الرجال الذين يقفون عليه ؟
– الرجال الذين على الأعراف فاختلف الناس في تأويلهم وهل هم رجال أم ملائكة.
فقال البعض أنهم من قوم بني آدم تساوت حسناتهم مع سيئاتهم فجلعوا على السور الى أن يقضي الله أمره فيهم ويدخلهم الجنة برحمة من عنده .
وقال بعضه أنهم قوم زادت بهم حسناتهم عن النار وقصرت سيئاتهم عن الجنة فنظروا الى النار فقالوا : ربنا لا تجعلنا من القوم الظالمين .
واذا هم كذلك يقول الله لهم اذهبوا وادخلوا الجنة فاني قد غفرت لكم . وقال بعضهم أن أصحاب الأعراف هم قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار وهم أخر من يدخل الى الجنة ولهذا عرفوا أهل الجنة وأهل النار لأنهم على السور أي الأعراف .
وبعضهم قال أن أصحاب الأعراف يذهبون الى نهر يسمى ( نهر الحياة ) له حافتان من ذهب ولؤلؤ وقصب ( باختلاف الروايات ) فيغتسلوا به حتى تظهر شامة بيضاء على نحورهم فيقال لهم تمنوا ما شئتم ، فيتمنوا ما شاءوا فيقال لهم : لكم ما شئتم وسبعون ضعف مثلها وقيل أنهم مساكين أهل الجنة .
وقال بعضهم أن اصحاب الاعراف كانوا قد قتلوا في سبيل الله لكنهم كانوا عصاة لأهلهم لأنهم ذهبوا الى الجهاد بدون اذن آبائهم ، فهم آخر من يدخل الجنة . فمقتلهم فس سبيل الله يمنعهم من دخول النار ومعصيتهم آبائهم يمنعهم من دخول الجنة . وقال بعضهم أنهم قوم صالحون فقهاء علماء.
– أما القسم الثاني فقال أنهم ليسوا من بني آدم بل هم من الملائكة باعتبار أن النص جاء على الذكور وليس باناث والملائكة ذكور.
وقال آخرون أنهم رجال من الملائكة يعرفون الناس الذين في النار والذين في الجنة ويعرفوهم بسيماهم قبل أن يدخلوا الى النار أو الى الجنة .
ولا يوجد خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح سنده عن ذلك ولا حتى اجماع علماء الأمة على أنهم من الملائكة ، الا أن العرب على لسانهم قالت أن الرجال اسم يطلق على الذكور دون الاناث ودون سائر الخلق غيرهم .
وفي حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف قال :
(هم آخر من يفصل بينهم من العباد ، وإذا فرغ رب العالمين من فصله بين العباد قال : أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار ، ولم تدخلكم الجنة ، وانتم عتقائي، فارعوا في الجنة حيث شئتم )
وجاء في الآية (50 ) : ونادى اصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا ان الله حرمها على الكافرين (50) الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومههم هذا وما كلنوا بأياتنا يجحدون (51)
وهنا يطلب أهل النار من أهل الجنة أن يفيضوا عليهم من الماء الذي لديهم أو يعطوهم مما رزقهم الله من الطعام ، فيجيبوا بأن الله تعالى قد حرم الشراب والطعام عليكم بسبب جحودكم وكفركم وتكذيبكم رسله ، وان الله حرمهم من نعيم الجنة لأنهم جعلوا دينهم الذي أمر الله اتباعه لهوا وباطلا وانخدعوا بالحياة الدنيا وانشغلوا بزخرفها عن العمل لآخرتهم ، ويوم القيامة ينساهم الله ويتركهم بالعذاب في النار بسبب تركهم العمل للقاء هذا اليوم وبسبب انكارهم علمهم بأنه حق رغم كل البراهين والأدلة التي ساقها الله لهم.
والله أعلم