شهر شوال
يبدأ هذا الشهر ، بيوم عيد الفطر ، فعن أنس – رضي الله عنه – قال : قدم رسول الله – ع – المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال : ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية ، فقال – ع – : أبدلكم الله بهما خيرا منهما ، يوم الأضحى ويوم الفطر ، رواه أبو داود وهو حديث صحيح .
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : ( كان رسول الله – ع – يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، لم يزل الناس على ذلك )، متفق عليه .
ويبدأ التكبير في عيد الفطر من رؤية الهلال حتى يغدو الناس إلى المصلى وحتى يصعد الإمام على المنبر لقوله تعالى : ( ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )
والأعياد من أعظم شعائر الدين ولذلك ود أهل الكتاب لو بذلوا الأموال العظيمة في سبيل مشاركة المسلمين لهم في أعيادهم ، وقد بين النبي – – أن لكل قوم عيداً وقال هذا عيدنا أهل الإسلام ، فلا يجوز تهنئة المشركين بأعيادهم ولا دخول كنائسهم فيها لأن السخطة تتنزل عليهم قال تعالى :
( والذين لا يشهدون الزور ) قال مجاهد و غيره : أي أعياد المشركين ولا يجوز بيعهم ما يستعينون به على إظهار أعيادهم ولا قبول هداياهم المتعلقة بشعائر دينهم الباطل .
وقد كان النبي – ع – يتجمل للعيدين ويرتدي أحسن ما عنده ، ويتطيب ، ويخالف الطريق ويغدو إلى المصلى ، وهو الخلاء البعيد عن العمران ، والذي يتسع لجميع المسلمين ، وكل ذلك لإظهار شعائر الدين في هذا اليوم المبارك ، وعن جبير بن نفير قال : « كان أصحاب رسول الله – ع – إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنك .
ومن السنة في العيد ، إظهار السرور وتبادل الدعاء بالخير ، والتواصل والتراحم والتوسعة على الفقراء والتغاضي عن الهفوات فانظر رحمك الله ، كيف انتقلنا من طاعة إلى طاعة ، ومن عبادة إلى عبادة ، فرب رمضان هو رب شوال وهو رب سائر العام وفي هذا الشهر بنی النبي – ع – بالسيدة عائشة رضي الله عنها وشوال أيضا هو بداية أشهر الحج قال تعالي: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ، وما تفعلوا من خير يعلمه الله ، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب )
و روی الجماعة – إلا البخاري والنسائي – عن أبي أيوب الأنصاري : أن النبي – ع – قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فكأنما صام الدهر ) وهذا لمن صام رمضان كل سنة .
قال بعض العلماء : الحسنة بعشر أمثالها ورمضان بعشرة شهور ، والأيام الستة بشهرين ، ويحرم صيام يوم عيد الفطر ، ثم من كان عليه قضاء من شهر رمضان فليبدأ بقضائه في شوال فإنه أسرع لبراءة ذمته وهو أولى من التطوع بصيام ستة من شوال ، ومن أخّر القضاء فلا حرج عليه فإن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقضي أيامنا من رمضان في شعبان ، و من بدأ بالقضاء في شوال ثم أراد أن يتبع ذلك بصيام ستة من شوال بعد تکميله قضاء رمضان كان حسنا لأنه يصير حينئذ قد صام رمضان وأتبعه بست من شوال ولا يحصل له فضل صيام ست من شوال بصوم قضاء رمضان لأن صيام الست من شوال إنما تكون بعد إكمال عدة رمضان .
وقد ذكر ابن رجب في معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة منها : أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق و منها أن صيام شوال و شعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة و بعدها فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافن يوم القيامة كما ورد ذلك عن النبي – ع – من وجوه متعددة وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال .. إلى أن قال رحمه الله – ومنها أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم أتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها ومنها أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب كما سبق ذكره وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغرفة الذنوب …
قال الحسن إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت ثم قرأ قوله تعالى : ( واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) و هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مقادیر الآجال ومواقيت الأعمال ثم تنقضي سريعاً وتمضي جميعاً والذي أوجدها وابتدعها وخصها بالفضائل وأودعها باق لا يزول ودائم لا يحول هو في جميع الأوقات إله واحد والأعمال عباده رقیب مشاهد ، فسبحان من قلب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم ، يسبغ عليهم فيها فواضل النعم، ويعاملهم بنهاية الجود والكرم،
لما انقضت الأشهر الحرم الثلاثة الكرام التي أولها الشهر الحرام واخر شهر الصيام أقبلت الأشهر الثلاثة ، أشهر الحج إلى بيت الله الحرام فكما أن من صام رمضان وقامه غفر له ما تقدم من ذنبه فمن حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه فما يمضى من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا والله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات ، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف ، المحب لا يمل من التقرب بالنوافل إلى مولاه ولا يأمل إلا قربه ورضاه .. .