قضاء الجولان
الجولان صقع بركاني ، كثير الأوعار والأحجار ، غزير الأمطار، وفير الخراج ، مبذول المياه والأعشاب الصالحة لتربية الماشية .
فلا غرو إن حلت فيه العشائر من قديم الزمان ، وأسترات مناهله ومراعيه ، وتوفرت فوق ذلك على حرث رقاعه الصالحة ، والنزول في ضييعاته ، وخربه العديدة المنبثة بين أوعاره ، إن بعض هذه العشائر كبير وبعضها صغير ، أما العشائر الكبيرة فهي آل فضل وآل نعيم :
آل فضل .
عشيرة كبيرة من ذوات الضرع والزرع ، تعد مع لواحقها نحو ۱۰۰۰ بیت . وماشيتها من الغنم والمعزى والبقر نحو ۳۰۰۰۰ رأس .
وقد صار نصفها أو أكثر مستقراً يحرث ويزرع ويقطن بيوت الحجر ، ونصفها رحال يتبدي في أراضي أقضية الجولان ووادي العجم والبقاع ،
والقسم الرحال الذي في قضاء الجولان لا يتعدى جسر بنات يعقوب جنوباً والقنيطرة شرقاً وبانياس شمالاً ، وهو في الصيف يعلو الهضاب الباردة ، وفي الشتاء يهبط سهل الحولة الدفيء ، ولا يشرق نحو البادية منه إلا فرقة الكواشية .
ويرأس عشيرة الفضل بيت علي القدر في البادية والحاضرة ، وهو بيت ( آل فاعور)، وأفراد هذا البيت قلائل ، وقد اختصوا في أنحاء دمشق بلقب الإمارة ،
كما اختص به في أنحاء حلب أقاربهم ( آل أبو ريشة ) أمراء عشيرة الموالي ، وليس في عشائرنا كلها من هو عريق في هذا اللقب سوى هذين البيتين ،
إن هذا اللقب الدال على نسب مؤثل وبقاء اسم ( آل فضل ) الذي طالما رددته كتب التاريخ والأنساب العربية يؤيدان بأن آل فاعور الحاليين هم من ( آل فضل ) الذين كان لهم أمجاد قديمة ، وأفعال عديدة ، في القرنين السابع والثامن الهجريين وما بعدها ، وذلك في الشمال في براري سلمية والمعرة وحلب إلى وادي الفرات ، وأطراف العراق على ما قدمناه وشرحناه في بحث تاريخ البدو نقلا عن ثقات المؤرخین کابن خلدون وأبن الوردي والقلقشندي وغيرهم ،
فقد قالوا إن آل فضل تشعبوا وقتئذ إلى عدة فروع أكبرها آل عيسى ، ثم تشعب آل عيسى أيضا إلى عدة فروع ، منها آل مهنا بن عیسی الذين أنجبوا آل أبو ريشة أمراء عشيرة الموالي في قضاء المعرة ، ومنها آل فضل بن عیسی الذين أنجبوا آل فاعور أمراء عشيرة الفضل في قضاء الجولان .
ويظهر أن آل فضل بن عيسى المذكورين انشقوا عن أبناء عمهم آل مهنا بن عيسى حينما تنازعوا على إمارة البادية في منازلهم التي كانت بين سلمية والمعرة وحلب ، وكانت هذه الإمارة تنتقل تارة إلى هؤلاء وتارة إلى أولئك ، فكانوا يتقاتلون عليها .
كما قال المؤرخ ابن الوردي الذي أدركهم – إلى أن نزح آل فضل بن عيسى في وقت مجهول ، لعله في القرن التاسع أو العاشر وجاؤوا وتديروا الجولان ، محتفظين باسم ( آل فضل ) وجمعوا حولهم فرقاً عديدة من بقايا العشائر المنقرضة ، فاندمجت هذه في حلفهم ، واكتسبت اسمهم .
وتاريخ هؤلاء الفضل بعد وصولهم إلى الجولان غامض ، لم يدونه كتاب ولا وعته ذاكرة ، لم نعثر منه بعد الجهد إلا على بعض معلومات متقطعة وجيزة ، منها أنهم حينا وصلوا وجدوا قوما من الكرد اصطدموا بهم ، فردهم الكرد وقتلوا كبار الأمراء منهم ، فلجأ أبناء هؤلاء إلى مرج ابن عامر في شمالي فلسطين ، وبقوا سنين عديدة ، ريثا ترعرعوا وشبوا ، فرجعوا وأخذوا ثأرهم من الكرد ، وأزاحوهم ، فراح بعض هؤلاء إلى الزبداني وتديره ، واسمه هناك ( آل رمضان ) ،
ثم عاش آل الفضل نحو قرنين آخرين انطوت أحداثها وتنوسیت ، ولم يبق عندهم سوى ذكر الحل والترحال بين أوعار الجولان ، وسهل البقاع ومرج ابن عامر ،
ثم ذكر الوقائع الحديثة التي جرت في أواسط القرن الهجري الماضي مع جيرانهم التركمان ، ثم في أواخر القرن المذكور مع جيرانهم الشركس ، حينما وفدوا مهاجرين من القوقاز على مابيناه في بحثهم ، ثم التي جرت في عهد الأمير محمد مع شيعة جبل عامل ودروز جبل الشيخ ، كل ذلك بسبب النزاع على حدود القرى والمراعي .
ورئيس العشيرة الحالي هو الأمير فاعور بن محمود بن محمد بن حسن بن محمد بن محمود بن حسين بن فاعور ، قالوا وليس هذا بفاعور الأول الذي سميت أسرة فاعور باسمه ، بل بينهما عدة أسماء لم تحفظ وتدون ،
وقالوا إن أول من أمتلك القرى والأرضين هو الأمير حسن ، إذ لم يحفل أسلافه بذلك ، ثم زادها ابنه الأمير محمد فبلغت حدوده من قرب المنصورة جنوبا ، حتى بانیاس شمالا ، ومن وادي الرقاد شرقا ، حتى أواسط الحولة غربا .
وبنى الأمير محمد المذكور قصراً فخماً في قرية خصاص في سهل الحولة ، وآخر في قرية واسط في الجولان ، كان يشتي في الأول ، ويصيف في الثاني ، ويقيم فيها لضيوفه الكثر المآدب والموائد الفخمة ،
وقد قضى الأمير محمد حياة حافلة بمناقب الرجاحة والسماحة ، وعلو القدر والجاه لدى ولاة دمشق وحكامها وأعيانها، وكانت هداياه إليهم – فيما رووا – من السمون والخراف وغيرها لا تنقطع ، وجاهه عندهم لا يرد ، ومازال على ذلك حتى صدف في ربيع سنة ۱۳۲۶ هـ (۱۹۰۹ م ) أنه كان يستقبل ضيوفه الأمراء آل عبد القادر الجزائري في موكب حفل بمطاردة الخيل والملاعبة بالأسلحة ، على عادة تلك الأيام التي كان للفروسية فيها شأن ، فانطلقت رصاصة من بندقية أحد أولئك الأمراء أصابت الأمير محمد فجرحته جرحاً مميتاً ، وبدلت الفرح ترحاً ، ومما يذكر له بالرحمة والإعجاب أنه رغم معرفته بخطر مصابه ، ودنو أجله شاءت مکارم أخلاقه أن يكتم بلواه ، فأشار على ضاربه بالابتعاد فوراً ، قبل أن يسمع أعراب الفضل فيثأروا منه ، فكان ماأراد ونجا الضارب ومات المضروب بعد برهة ، فكان الخطب به عظيا والعزاء جسيمة .
ثم خلفه ابنه الأمير محمود ، وكان هذا أيضا كبير الجولان وزعيمه دون منازع ، وذا شمائل محمودة تقرب مما لدى أبيه ،
قام بأعمال مشكورة في نصرة عهد الملك فيصل ، وفي مقارعة الفرنسيين في الحولة ومرجعيون ،
فحكموا عليه بالإعدام ، ونهبوا وهدموا قصره في خصاص سنة ۱۳۳۸ ه ( ۱۹۱۹ م ) فلجأ هو وأسرته إلى شرق الأردن ،
وبقي إلى سنة ۱۳۶۶ هـ ( ۱۹۲۰ م)، ثم لما عفي عنه عاد واستقر هادئة في الجولان ، إلى أن توفي في سنة ۱۳۶۹ هـ ( ۱۹۲۷ م ) . فخلفه ابنه الأكبر الأمير فاعور ،
وهذا الأمير مدني المعيشة ، أنيق البزة حاد الفطنة ، كبير الملك والثروة ، وأجل أملاكه في سهل الحولة ، داخل الحدود الفلسطينية ، وأكثر إقامته في دمشق بعد أن كانت في واسط ، وهو نائب قضاء الجولان منذ القديم .
هذا ومن عشيرة الفضل فرق أصليون ملتفون حول الأمراء آل فاعور ، وفرق أخرى وإن كانوا منهم يعيشون مستقلين عنهم إلى حد ما، فمن فرق الفضل الأصليين يذكر الهلالات والعطيرات والشحاسبة والبلاحسة والنبهان والكيار ( هؤلاء من الكبار الذين ذكروا في بحث محافظة حلب ) والفنوص والربيع والشراعبة والمنادلة والحالة والربايعة والحمدان والكواشية وأمثالهم ، وعدد هؤلاء نحو ۵۰۰ بیت ، وهم يقطنون غربي القنيطرة إلى الشمال ، في المزارع والحرب المسماة الواسط وتل جيات وقطرانة وعين الحجل وأسكيك وسماقة وعين حور وعين حمراء والفرن ورعبنة وباب الهوا .
عشائر أخرى في الجولان
ومن فرق الفضل المستقلة القريبة من محيط آل فاعور ومنازلهم ، يذكر ( البحارة ) في مشيخة ضاهر ومضهور أبناء عرسان الشديد ، عددهم نحو ۳۰۰ بیت ، وقراهم دلوة وسليسلة وعين وردة وخويخة ورمثانية ودهمية ،
و ( الهوادجة ) في مشيخة فارس العفاش وعيد المسعود ، عددهم نحو ۱۰۰ بیت ، وقراهم لوطيات وبرقبات وراوية وقنعبة وقرحتة وزعرتة .
و ( العجارمة ) أو العكارمة في مشيخة عدنان بن زعل السلوم عددهم نحو ۱۰۰ بیت ، ومزارعهم سنديانة ومويسة وعين زارا . ولهؤلاء الشيوخ أملاك ومزارع خاصة وثروات غير يسيرة ، أثراهم أبناء نمر الشحادة رئيس الهوادجة السابق . و ( الحروك ) الذين ذكرناهم في بحث حمص .
وأما عشائر الجولان الصغيرة المستقلة فهي
( المرازقة ) في قرية دبورة 50 بيتا ، ينتسبون إلى ( مرزوق ) الذي له مقام يحتفل فيه في كل عام ، وتتقاطر عشائر الجولان الزيارته ، وحمل الأعلام والسناجق ، وإقامة الأذكار حوله ،
( الويسية ) في قرى جرابا والمجامع وفاخورة وسنابر وعلمين وجريدية ۳۰۰ بیت . وهؤلاء يربون جواميسا في الحولة ، و ( الكبايرة ) في قصبية 40 بیتأ ،
و ( الجعاتين ) في سلوقية وبيرة ويهودية وطار الغزال ۱۰۰ بیتا ،
و ( الرفاعية ) في أم الدنانير والفرج ودير قروح ودير مفضل وشبة ۱۵۰ بیتا ،
و ( المنافي ) في نبع الصخر ومجدولة وعين الباشا ۱۰۰ بیت ،
و ( القصيرين ) وهؤلاء من لواحق الرفاعية وهم في صلبا ووحشرة والنوانية ۷۰ بيتة ،
و ( السبارجة ) في معلقة ووزارة ۵۰ بیتا .
وعدوا من الفرق الصغيرة أيضا الطوائف والطرشان والحزوميين الذين يبعدون إلى أنحاء حمص والمحمدات والسعيد .