شهر رجب
رجب هو أحد الأشهر الحرم وهو من الترجيب وهو التعظيم ، وقيل له رجب مضر لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً وكانت مضر تحرم رجباً نفسه ، فلذلك قال النبي – ع – فيه : ( الذي بين جمادى وشعبان )،
ورفع ما وقع في اسمه من الاختلال بالبيان و كانت العرب أيضاً تسميه منصل الأسنة وذلك لأنهم كانوا إذا دخل رجب نزعوا أسنة الرماح ونصال السهام إبطالاً للقتال فيه ، وقطعاً لأسباب الفتن لحرمته .
روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال : كنا نعبد الحجر ، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه القيناه وأخذنا الآخر ، فإذا لم نجد حجراً جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا بالشاء فحلبنا عليه ثم طفنا به ، فإذا دخل شهر رجب قلنا نصيل الأسنة ، فلم ندع رمحاً فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناها فألقيناه ،.
وصيام رجب ، ليس له فضل زائد على غيره من الشهور ، إلا أنه من الأشهر الحرم ، ولم يرد في السنة الصحيحة ، أن للصيام فيه فضيلة مخصوصه ، وأن ما جاء في ذلك مما لا ينتهض للإحتجاج به . فأحاديثه كلها ضعيفة ، بل موضوعة ، وصح أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب ويقول : لا تشبهوه برمضان – فمتى أفطر بعضا لم يكره صوم البعض.
كما قال ابن تيمية . قال ابن حجر : ولم يرد في فضله ( أي شهر رجب بخصوصه ) ، ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ، ولا في قيام ليلة مخصوصة منه ، حديث صحيح يصلح للحجة .
وقد اعتاد الناس في بلادنا الاحتفال بليلة السابع والعشرين من هذا الشهر ، على أنها ليلة الإسراء والمعراج وفي ذلك يقول الشيخ على محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع : او منها ( أي المواسم التي نسبها الناس للشرع وليست منه ) ليلة المعراج التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها .
وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات ، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبا كثيرة كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها، وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج و كان ذلك حسنا لو كان ذكراً و قراءة وتعليم علم ، لكنهم يلعبون في دين الله فالذاكر على ما عرفت والقاريء على ما سمعت فيزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه .
وما أحسن سير السلف فإنهم كانوا شدیدى المداومة على ما كان عليه الرسول – ع – لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لاسيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير رضي الله عنهم أجمعين.
والذي عليه أئمة النقل : أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة ، بعد البعثة ، قبل الهجرة بسنة ، وقيل : بسنة وشهرين ، ذكره ابن عبد البر ، وقد أخطأ من قطع وجزم بأن ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة الإسراء والمعراج ، ولسنا في حاجة لهذه الاحتفالات وهذا الابتداع إذ لو كان خيرا لسبقونا إليه ، ونذكر هذا الحدث الضخم وما فيه من آيات بينات ، لا يليق أن نقصره على يوم واحد ثم تنقض السرادقات وتعود الأمة سيرتها الأولى انحرافا وبعدا عن منهج الله .
ومن جملة البدع التي اعتادتها النساء في هذا الشهر ، خروجهن في جماعات لزيارة المقابر في أول خميس منه ، والمرأة يجوز لها زيارة المقابر في أضح أقوال العلماء ، ولكن تخصيص يوم الخميس بالزيارة ظنا أن له مزية على غيره يعد بدعة في دين الله ، فالزيارة مشروعة في أي وقت ولابد فيها من التأدب، بالآداب الشرعية وعدم الإكثار من الزيارة واستئذن الولي أو الزوج وعدم التبرج أو قول الهجر لما ورد في الصحيحين عن أنس : أن رسول الله – ع – مر بامرأة عند قبر تبكي على صبي لها ، فقال لها : اتقي الله ، واصبرى .. الحديث ، ووجه الاستدلال أن الرسول – ع – رآها عند القبر فلم ينكر عليها ذلك ، وعن عبد الله ابن أبي مليكة ، أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر ، فقلت لها : أليس كان نهي رسول الله – ع – عن زيارة القبور ؟ قالت : نعم . ( كان نهی عن زيارة القبور ، ثم أمر بزيارتها ، رواه الحاكم والبيهقي وصححه الذهبي .
وهي تقصد حديث النبي – ع – : «كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ، والمنع والإذن دخل فيه الرجال والنساء معا ، ثم می رضي الله عنها لما سألت ماذا تقول إن هي وردت البقيع أجابها رسول الله – ع – ولو كانت زيارة النساء ممنوعة لأنكر عليها . أما الرواية التي فيها : و لعن الله زائرات القبور ، فضعيفة والصحيح (لعن الله زوارات القبور )، رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه .
قال القرطبی : و اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكفرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج ، وما ينشأ من الصياح ، ونحو ذلك ، وقد يقال : إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن لهن ، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء .
قال الشوكاني :« هذا الكلام هو الذي ينبغي اعتاده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر