كثير من الأحيان نجد أن المشكلة لا تكمن في الملاحدة أنفسهم، إنما تكمن في بعض المسلمين ممن يتوهم أنه كلما جاءه ملحد بسؤال فإنه يتعيّن عليه أن يجد له الجواب المفصل الذي يفحمه!!
كما يجب إدراك أمر أخر، هو أنّ الإيمان بالخالق ليس مشروطاً بمعرفة جواب كل شاردة وواردة يرميها الملاحدة في خواطر الناس، ولو جئناهم بعشرات التأويلات والتفسيرات والتعليلات والأجوبة فلن يكتفوا، لأن الغاية عندهم ليس الوصول إلى الحقيقة، وإنما البقاء على الإلحاد.
والملاحدة دائما يستخدمون أسلوب الَجوم والأسئلة، ولا يناقشون موضوع الإلحاد بقدر ما يتعرضون للإسلام، وهذا أسلوب بائس يدل على ضعف الطرح الإلحادي، مثلا هم يطرحون شبهة )خلق الشرّ(، ويطرحون شبهة التشكيك بأن القرآن وحي من الله!!
هل هذا الملحد هدفه إثبات عدم صحة القرآن؟
وأية علاقة بين هذا وبين الإيمان بوجود خالق؟
وكيف يكون الردّ عليه؟
لا تشغل نفسك بالردّ عليه، لأنك إن رددت عليه فسوف يعطيك شبهة أخرى، ثم أخرى، وهكذا، حتى يستهلك جهدك، أو يأتيك بشبهة يصعب عليك الردّ عليها، لَذا السبب لا تردّ على شبهته إلا عند الضرورة.
بماذا تردّ عليه؟
عندما يطرح الملحد شبهته أو أسئلته، راجع موقع حسابه على الفيسبوك لتتعرف على توجهاته بشكل أفضل، ثم استأذنه بطرح بعض الأسئلة، فإذا وافق بادره بالسؤال التالي:
هل أنت ملحد أم لا؟
هذا السؤال هو الذي يخصّ الإلحاد، وليس طرح الشبهات والرد عليها.
إن رفض الإجابة، فإن لديه إشكاليات قوية ونقاط ضعف خ يخشى من نقاشها، ويمكنك حصاره وملاحقته في النقاش حتى يجيب.
فإن أجاب بأنه (ملحد)، فهو هنا قد وضع نفسه في موقف بائس، وهو أضعف موقف يمكن أن يضع الملحد نفسه به، بادره فورا بسؤال مثل:
أنت تقول: لا يوجد خالق؟ (ناقشه باستخدام لفظة “الخالق” وليس “الله”)
فإذا أجابك بنعم، أو قال أرجّ ح ذلك، فقد وقع في مشكلة منطقية كبيرة، ويمكنك حينئذ أن تسأله بسؤال كهذا:
هل لديك دليل على عدم وجود الخالق؟؟ أم أنك تؤمن بذلك بلا دليل؟
الملحد المتمّرس في النقاش سيهرب أصلاً إلى ادعاء(لا أدري)، فيجعل نفسه بلا موقف لكي لا يُلزم نفسه بأي إثبات أو نفي، وما عليه حينئذ سوى الاستماع وطرح الأسئلة.
ولكن عموماً ما دام وصل إلى اعترافه بأنه ملحد؛ فسوف يجيب على سؤالك بقوله: إنه يرى عدم وجود خالق، لأنه لا يوجد دليل علمي أو مادي على وجوده، وهذا هو المطب المنطقي، لأن هذه مغالطة منطقية شهيرة ،(fallacy of ignorance) اسمها مغالطة الاحتكام إلى الجهل وملخصها هو أن الاحتجاج بعدم وجود دليل لا يصح، بمعنى آخر:
إن عدم وجود الدليل لا يعتبر دليل على العدم؛ ولو كان هذا الأسلوب في الاستدلال صحيحا فإن هذا يعني أن القارة الأمريكية لَ تكن موجودة قبل ألف عام، لأنه لا أحد لديه دليل على وجودها في ذلك الوقت، وبِذا تكون قد أُ سقطت دعواه بعدم وجود الخالق تماماً.
الآن: لنفترض أنه لا يعتبر نفسه ملحداً؛ وإنما أجاب على السؤال الأول بأنه (لا أدري).
فكيف تتعامل معه؟
هنا تسأله ببساطة: ما نسبة احتمال وجود خالق؟
وما نسبة احتمال عدم وجوده؟
فإذا قال: ( 32 % و 32 %) فهذا يعني أنه ليس لديه موقف، ولك أن تلزمه بعدم الاعتراض على وجود الخالق، وبالتالي فإن عليه أن يحزم أمتعته ويذهب ليقرر موقفا واضحا، وجواب ال ( 32 %) يأتي غالبا من الملاحدة أصحاب (لا أدري) المتمرسين في النقاش، والضالعين في المغالطات والمتاهات اللا منطقية، وإن شئت فإنك تستطيع أن تطالبه بدليل ال ( 32 %) التي بنى عليها وجود الخالق، وتدخله في متاهات منطقية، لأن دليل الإثبات لا يتجزأ، إما أن يكون دليلا أو لا يكون.
ولكن في الغالب، ستجد أن من يناقشك من الملحدين العرب هم من الشباب الجدد الذين ليس لديهم أي عمق أو ممارسة في النقاش، وإنما تجد أحدهم يردد كالببغاء، ويظن في نفسه أن الناس جهلاء لا يفقهون، وستجد منهم يميل إلى ترجيح عدم وجود خالق، يحاول أن يبرر لنفسه الَجوم على الإسلام، ولا يعلم أنه وقع في المغالطة، بل إن عليه إحضار الدليل لإثبات دعواه.
فإن اتضح أنه يميل إلى ترجيح عدم وجود الخالق، اتّبِعْ معه نفس الأسلوب، كل ما عليك هو أن تطالبه أن يخبرك ما سبب هذا الترجيح، لابد أن هناك دليلاً منطقياً لَذا الترجيح، فإن عجز عن ذلك، فهو يرجح بناء على هواه ورغبته الشخصية وليس على أساس منطقي أو عقلي، وهذه ضربة قوية تهدم طرحه كاملاً.
ستلاحظ خلال النقاش أنه سيتذمر ويطرح أسئلة خارجة عن الموضوع، أو يتهمك بأنك تحقق معه! ولَذا حاول الاستئذان منه أولا بطرح الأسئلة حتى لا يكون لديه مجال للهروب من النقاش.
ستجد مثلا أنه سيطالبك بإثبات وجود الخالق، هنا لا تتجاوب معه، وقل إنك لاَ تدّع وجود الخالق حتى اللآن، وإنما أنت من يدّعى عدم وجود الخالق، إذن عليك دليل الإثبات.
طريقة أخرى للنقاش
قد يسألك الملحد بأسلوب الَهجوم، ويطرح عليك هذا السؤال:
هل من دليل على وجود الله؟ تسأله: إي دليل تبحث عنه؟ فيرد عليك: أُريد رؤيته.فترد: ماذا لو رأيته؟ فيقول: ينتهي الأمر وأؤمن بوجوده.
وهنا يكون التساؤل منك: لو رأيته كيف ستعرف أنه إله؟
المشكلة إذن ليست في استحالة وجود إله وإنما في رؤيته.وكأنه بِهذا النقاش يقول صراحة:
ليس لديّ مانع من الإيمان بوجود إله، ولكني أريد أن أراه.
هنا تكون قد أسقطت إنكاره لوجود الإله، ويمكنك بعدها أن تستطرد معه في سؤالك:
لو رأيته فكيف تعرف أنه إله؟
وسترى كيف يرتبك ويحتار؟!
وقد يبدأ الملحد النقاش بسؤاله مثلا:
أثبت أنت أن إلَهك على العرش في السماء؟ من خلال قوله هذا فهو مؤمن بالله وهو لا يدري، فكيف يكون ذلك؟ قل له: هذا يعني أن مشكلتك في تصوره لا في وجوده، وهذا جيد.
والإلحاد هو “لا إله”، أي لا وجود لله بالكلية، وليس لا صفات لله!
فالاعتراف بوجود إله ورفض الصفات هو إيمان مسبق بالإله.
يمكنك أيضا أن تسأله:
ما قولك لو أخبرك (شخص ما) بأنه هو إلَك الذي خلق الكون؟!!سيخبرك:
أنه لن يصدقه.
ولو سألته: لماذا؟
سيقول: إن الإنسان لا يستطيع فعل ذلك.فهو الْن قام بلجم نفسه من حيث لا يدري!
فكون الملحد رفض ذلك الشخص بأن يكون إله؛ لأنه عاجز عن خلق الكون وما فيه، فهو بالتالي لا يستطيع استبدال هذا الإله الذي يمتلك قوى خارقة بشخص عاجز، وهذا اعتراف ضمني بوجود إله عظيم له صفات الربوبية.