القرامطة
فرقة تفرعت عن الإسماعيلية وينتسبون إلى حمدان الأشعث المعروف (بقرمط) لقصر قامته وكان ظهوره فى سنة 264هـ بالكوفة فاشتهر مذهبه بالعراق وقام ببلاد الشام والبحرين وعظمت دولته حتى أوقعوا بعساكر الخلفاء العباسيين وغزوا بغداد والشام ومصر والحجاز انتشر دعاتهم بأقطار الأرض،
فدخل جماعة من الناس فى دعوتهم ومالوا إلى قولهم الذى سموه علم الباطنة (وهو تأويل شرائع الإسلام وصرفها عن ظواهرها إلى أمور عموما من عند أنفسهم) فضلوا وأضلوا عالماً كثيراً،
وكان حمدان يتلقى التعليمات من القداحين فى السلمية مركز الإسماعيلية لكنه شق عصا الطاعة عليهم ولكنهم لم يرضوا بذلك فحرضوا (زكرويه) على قتله فقتله عام 280هـ وادعى يحيى بن زكرويه أنه (محمد بن إسماعيل) وأن ناقته مأمورة فقصد دمشق وهاجم المدن والقرى وأحرق المساجد وسبى النساء وسرق الأموال وحاصر دمشق فأرسل إليهم المصريون (بدر الكبير) فهزمهم وقتل ابن زكرويه فتولى الإمام الحسين بن زكرويه وتبعه الكثيرون وهاجموا القرى وأتوا المنكرات فأرسل إليهم (ابن طولون) عام 290هـ جيش كبير فهزمهم وقتلهم،
وعندما تولى زكرويه بنفسه القيادة كتب لقرامطة الشام رسالة أرسلها مع داعيته (القاسم بن أحمد) ليحضروا الكوفة فدخلوا الكوفة أول أيام عيد النحر وساروا لاعتراض طريق الحجاج فنهبوا القوافل وسبوا النساء، وأرسل الخليفة (المكتفى) جيشاً كبيراً شتت شملهم وأسر زكرويه والقاسم وابنه، أما قرامطة البحرين فبدأ دورهم حين جاء يحيى المهدي أحد دعاتهم إلى القطيف وأظهر أنه رسول المهدي وأن ظهوره قد اقترب فتجاوب معه شيعة القطيف وشيعة البحرين وعلى رأسهم أبو سعيد الجنابى ثم تخلص أبو سعيد من يحيى واشتد نفوذه وأقبل عليه الناس وتحرك بمن حوله من الأعراب والقرامطة وسار للقطيف وقتل من بها ثم التقى بجيش (المعتضد) فهزمه فهاجم (هجر) عاصمة البحرين واحتلها وجعلها عاصمة له،
وحاول أبو سعيد التقرب من الخليفة العباسي فقتله العبيد بيون وتولى ابنه سعيد وحاول أيضاً التقرب من العباسيين فقتله العبيديون ونصبوا أخاه (أبا الطاهر) مكان وكان حقودا على الإسلام والمسلمين فهاجم البصرة عام311هـ واستباحها وأقام بها 17 يوماً ينقل الأموال والصبيان والنساء وهاجم الحجاج ودخل الكوفة وجعل مسجدها اصطبلاً، وفى سنة 317 هو زحف (أبو طاهر) على مكة فى موسم الحج وقام بالاعتداء على الحجاج فقتلهم وردم بهم بئر زمزم وقتل فى شعاب مكة 30 ألف حاج وحطم باب الكعبة واقتلع الحجر الأسود وذهب به إلى القطيف،
وواصل رجاله الاعتداء على الأهالي وظل الحجر الأسود فى حوزة القرامطة قرابة 22 عاماً، وبعد موت (أبى طاهر) عام 331 هـ عين عبد الله المهدي أخاه أحمد والياً عليهم وسموه أبا المنصور وأمروه أن يعيد الحجر الأسود لمكانه فأعاده، وكانت نهاية القرامطة حيث طردوا من جزيرة أوائل عام 458هـ نتيجة سلسلة ثورات لأهل السنة بالبحرين حيث لاحق السلاجقة القرامطة للإحساء وانتصروا عليهم فى موقعة الخندق عام470 هـ وتم القضاء نهائياً على القرامطة، ويطلق عليهم أيضاً الباطنية وقال عنهم عبد القادر البغدادي (ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والدهرية وسائر الكفر والدجال).
عقائد القرامطة:
اتفقت الأقاويل على أنهم قالوا بإلهين قديمين من حيث الزمان إلا أن أحدهما عله وجود الثاني واسم العلة (السابق) واسم المعلول (التالي) وأن (السابق) خلق العالم بواسطة (التالي) لا بنفسه، وقد يسمى الأول (عقلاً) والثاني (نفساً) وربما قالوا الشرع سماهما (القلم) و (اللوح) و (السابق).
لا يوصف بوجود أو عدم فلا هو موجود ولا معدوم ولا معلوم ولا مجهول ولا هو موصوف ولا غير موصوف، وكأنهم يتطلعون لنفى الصانع وسموا هذا النفي تنزيهاً حتى تميل القلوب لقبوله، ثم قالوا أن العالم قديم أى أن وجوده ليس مسبوقاً بعدم زماني بل حدث من السابق التالي.
وهم يعتقدون باحتجاب الله فى صور البشر واتفقت كلمتهم على إبطال الرأى والدعوة للتعلم من الإمام المعصوم.
ويرى القرامطة أن الأنبياء والأئمة تولدوا من نور شعشانى تولد من نور الله العلوي فهم بخلاف طبائع الناس وهم يعلمون الغيب ويقدرون على كل شئ ويقهرون ولا يُقهرون ويُعلمون ولا يُعلّمونه ولهم علامات معجزات وأمارات ومقدمات قبل مجيئهم وبعد ظهورهم يُعرفون بها وهم مُبايعون لسائر الناس فى صورهم وطباعهم وأخلاقهم وأعمالهم، ويزعمون أن الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الفرائض نافلة لا فرض وإنما هي شكر للمنعم أن الرب لا يحتاج لعبادة خلقه فمن شاء فعل ومن شاء لم يفعل، وزعموا أن لا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور وأن من مات بلى جسده ولحق روحه بالنور الذى تولد منه.
ويزعمون أن النبي شخص فاضت عليه من (السابق) بواسطة (التالي) قوة قدسية صافية وزعموا أن جبريل عبارة عن (العقل الفائض عليه) وأن القرآن هو تعبير (محمد) عن المعارف التى فاضت عليه من العقل الذى هو (جبريل) ويسمى كلام الله مجازاً.
وقوة النبي القدسية لا تستكمل إلا فى أن تنتقل من الرسول (الناطق) إلى (الأساس الصامت) وهكذا انتقل إلى أشخاص حتى يكمل فى السابع،
واتفقوا على أنه لابد فى كل عصر من إمام معصوم قائم بالحق يرجع إليه فى تأويل الظواهر وحل الإشكال فى القرآن والأخبار وأنه يُساوى النبي فى العصمة ولا يتصور فى زمان واحد إمامان بل يستظهر الإمام بالدعاة وهم الحجج ولابد للإمام من إثنى عشر حجة أربعة منهم لا يفارقونه،
إنهم يعتقدون استباحة المحظورات وقالوا كل ما ذكر من التكاليف فرموز إلى باطن فالصيام إمساك عن كشف السر والمحرمات ذوى السر والبعث الاهتداء إلى مذاهبهم،
ويقول عنهم عبد القاهر البغدادي ( سن القرمطى لأتباعه اللواط وأوجب قتل الغلام الذى يمتنع على من يريد الفجور به) كما ذهب أكثر المتكلمون فى الباطنية إلى أن غرضها الدعوة لدين المجوس بتأويل القرآن والسنة.
أساليبهم فى الدعوة:
من أساليبهم فى الدعوى إظهار الإسلام وإبطان الكفر والزندقة وبغض الأنبياء ويميلون للمجون والخلاعة والانغماس فى اللذات والشهوات، وأوثقوا أمورهم بالسرية وبأخذ الإيمان والعهود على من أجابهم بكتمان ما يبوحون له به عن أسرارهم،
ويتصلون بالناس سراً ويستدرجونهم إلى مذهبهم ويخاطبون كل فريق بما يوافقه رأيه وقد اتخذوا التظاهر بحب آل البيت والتستر بالتشيع وسيلة للتحايل على الناس واستغلال ظروف الناس المعيشية المتدنية وعواطفهم الملتهبة للإصلاح برفع شعارات براقة،
كما استخدموا النساء كوسيلة لجذب الناس إليهم وخاصة الغرباء والفقراء والجهلاء وأصحاب الوازع الإيماني الضعيف فجعلوا النساء لهم شركاً عظيماً يندفعون وراءه ليحققوا رغباتهم لهذا أمر قرمط الدعاة بأن يجمعوا له النساء فى ليلة عينها ويخلطوهن بالرجال وقال هذا من صحة الود والألفة كما أباح القرامطة للمقاتلين أن يرووا غرائزهم من نساء أهل المدن والقرى والقوافل التى يستبيحونها، والمال هو الوسيلة الأخرى التى اتخذوها للتأثير على الناس وخاصة الفقراء .
وكانت القبائل التى تقيم على أطراف البادية فى حاجة للمال فهو عندهم غاية مع الجهل وغياب الوازع الإيماني وهذه أكبر العوامل التى تجعل الإنسان يسير وراء كل متاجر بالألفاظ من الإصلاح أو الخير فجمعوا أموال القرى وجعلوها مشتركة بين وترس القرمطى نطاقاً مالياً ففرض أتباعه خمس ما يملكونه ويكتسبونه ثم فرض عليهم أن يجمعوا أموالهم فى مكان واحد وتكون ملكاً للجميع، فأباح المال والناس واستغنوا عن جميع الفرائض.
بناء القرية اتخذ القرامطة طريقة إخافة الناس بما فعلوه من جرائم فسار وراءهم كثيرون وهم ليسوا منهم حتى إذا فشلت حركتهم انفضوا من حولهم بل وأحياناً كانوا يسلمونهم لخصومهم.
وقد قال عنهم ابن القيم رحمه الله (ومن شر طوائف المجوس الذين لا يقرون بصانع ولا معاد ولا حلال ولا حرام الخرمية وعلى مذهبهم طوائف القرامطة والإسماعيلية والنصيرية والدرزية وسائر العبيدية الذين يسمون أنفسهم الفاطمية وهم من أكفر الكفار وهؤلاء لا يتقيدون بدين من ديانات العالم ولا بشريعة من الشرائع
.وقال عنهم عبد القاهر البغدادي الذى يصح عندي من دين الباطنية أنهم دهرية زنادقة يقولون بقدم العالم وينكرون الرسل والشرائع كلها، لميلها إلى استباحة كل ما يميل إليه الطبع وهم خارجون عن جميع فرق الإسلام”.
ويقول د. محمد أحمد الخطيب فى كتابه الحركات الباطنية فى العالم الإسلامي ( إن هذه الحركة ما ظهرت إلا من أجل محاربة الإسلام بكل الوسائل بارتكاب الكبائر وهتك الأعراض وسفك الدماء بلا حدود والسطو على الأموال والأملاك وتحليل الحرمات إرواء لأحقادهم الدفينة ضد الإسلام وإشباعاً لغرائزهم الحيوانية).