مايجوز و مالايجوز في الأشهر الحرم

الأشهر الحرم

قال قتادة : « إن الله اصطفی صفایا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس رسلاً واصطفى من الكلام ذكره ، واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفی من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالى ليلة القدر فعظموا ما عظم الله .

 فإن تعظيم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل ،  قال تعالى : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) [ التوبة : 36 ]

 والأشهر الحرم أربعة وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية وشهر رجب الفرد بين جمادی وشعبان ، وقوله تعالى : ( ذلك الدين القيم ) أي الحساب الصحيح والعدد المستوفی وقيل أى ذلك القضاء وهو مروي عن ابن عباس أو هو الشرع والطاعة ، وهذه الأشهر عظمها الله تعالى فلا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة ، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح .

 فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال فالحسنات تضاعف في كل زمان ومكان فاضل والسيئات تعظم في كل زمان ومكان فاضل وشاهد هذا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله – ع – ، يقول الله تعالى : ( و يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير)

وقال تعالى في المسجد الحرام ( و ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ) وقد قيل فلا تظلموا فيهن أنفسكم أى بالقتال ثم نسخ بإباحة القتال في جميع الشهور قاله قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوری ،

 وقال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبي رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها، وما نسخت والصحيح الأول كما قال القرطبی ، لأن النبي – ع – غزا هوازن بحنين وثقيفاً بالطائف وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة،

 وقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره أن الأشهر في تحريم ابتداء القتال في الشهر الحرام أنه منسوخ ، وعن ابن عباس في قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم )، قال في الشهور كلها ، وقال على ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( إن عدة الشهور عند الله )، الآية فلا تظلموا فيهن أنفسكم في كلهن ، ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراماً وعظم حرماتهن و جعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم ، فالشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء – ولا يقال : كيف جُعل بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض ، فإن للباری تعالى أن يفعل ما يشاء ويخص بالفضيلة ما يشاء ، ليس لعمله علة ولا عليه حجر ، بل يفعل ما يريد بحكمته وقد تظهر الحكمة فيه وقد تخفى ، وليس لنا إلا أن نقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، وأن نعظم شعائر الله وحرماته ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) فالتزموا حدود الله تعالى وأقيموا فرائضه سبحانه واجتنبوا محارمه وأدوا الحقوق فيما بينكم وبين ربكم وفيما بينكم وبين عباده واعلموا أن الشيطان قد قعد الابن آدم كل مرصد وأقسم الله ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا يجد أكثرهم شاكرين بل قال ( فبعزتك الأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) فاحذروه على أنفسكم وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل ولا داعي للتسويف والغرور وطول الأمل : ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ، إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) .

Scroll to Top