س :ما الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية؟
الجواب: الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، فأقول وبالله التوفيق: هذه مسألة عظيمة لا يستغني عن معرفتها والعلم بها واحد من المسلمين؛ لأنها مبنى الدين وأساسه ومنطلق الرسالات.
فتوحيد الربوبية: الإقرار بأن الله هو الخالق المالك الرازق المدبر لجميع الكائنات.
أما توحيد الألوهية: فمعناه إفراد الله بالعبادة واجتناب الشرك به والكفر بما يعبد من دون الله، وهذا معنى لا إله إلا الله ، أي : لا معبود بحق إلا الله ،
وهذا المعنى هو ما بينته الآيات الكثيرة في القرآن، فمنها ما جاء على وجه التفسير لها كقوله تعالى:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ )
ومنها ما جاء على وجه الأمر بعبادة الله وحده ونفي العبادة عما سواه وجاء ذلك على لسان جميع الرسل من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام، كل واحد منهم يقول لقومه:
(ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)
ومن الآيات ما وردت على بيان وجه الغرض من إرسال الرسل كقوله تعالى:
{ ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله وأجتنبوا الطاغوت)
وكقوله: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)
فكلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله هي مفتاح دار السلام وهي أول واجب على الإنسان وآخر ما يخرج بها من الدنيا كما قال عليه الصلاة والسلام في أول دعوته: «أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»
وفي الحديث الآخر: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة»
فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين أن يختم لنا بها .
ومن الفروق: أن الإقرار بتوحيد الربوبية لا يُدخل في الإسلام؛ لما يأتي من الأدلة كقوله تعالی آمراً نبيه محمداً (ص) بأن يسأل قومه – لما أبوا النطق بلا إله إلا الله – من المالك الخالق الرازق؟
فيجيبون بأنه الله، فهم يعترفون بوجوده وإيجاده للخلق والرزق، ويقرون بقدرته على التصرف، لكنهم لما أمروا بأن يصرفوا أفعالهم له أبوا وامتنعوا وقالوا:
(أجعل الآلهة إلها واحداأ إن هذا لشئ عجاب) فلما أنكروا العبودية لم يدخلوا في الإسلام بإضافة أفعال الله له لأن أفعال الله لا مدخل لهم فيها وإنما المطلوب والغرض أن يؤدوا ما خلقهم الله من أجله، لأن الله جعل لهم في أفعالهم مشيئة واختياراً بعد مشيئة الله فأما خلق الكائنات فلا مجال الإنكاره، قال تعالى:
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
فأسند الفعل الأول له وطلب الفعل الثاني منهم وهو عبادته كما أمر الله بها في عدة آیات، فعبادة الله امتثال لأمره، وترك العبادة معصية لخالقهم.
فمن هذه العجالة يتضح معنى لا إله إلا الله بأنه لا معبود بحق إلا الله وهذا أوضح تفسير لها فتقييد العبادة (بحق) ليبطل ما يصدر من العبادات الباطلة السائر ما يتأله من دون الله تعالى.
من الفروق: لو كان توحيد الربوبية يدخل في الإسلام ما قاتل الرسول عليه كفار قريش لاعترافهم بقدرة الله وإيجاده للخلق, قال تعالى:
( قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ (89)،
وقوله:
(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم)
فما هذا التذكر والتقوى التي طلبت منهم ووبخوا بالانصراف عنها، ما هي إلا إفراد الله بالعبادة، فلو كان الإقرار بقدرة الله هو الإسلام لكانوا متقين ومتذكرين وما استحقوا التوبيخ لعدم التقوى والتذكر ولما وصفوا بالإفك في قوله:
(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض و الشمس والقمر لقيولن الله فأنی يؤفكون).
ولما طلبت منهم التقوى وقد أقروا بأنه الرازق المحيي المميت المدبر في قوله:
(قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون) .
ومن الفروق: أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية بمعنى أن من أقر بقدرة الله تلزمه طاعته وأجل الطاعات إفراده بالعبادة والملزوم قد يحصل من لزمه وقد لا يحصل لما اتضح لنا من صنيع كفار قريش.
أما توحيد الألوهية أي من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فأفرد الله بالعبادة على ما شرعه رسول الله ، فهو متضمن لتوحيد الربوبية بمعنى أن العبادة لا تصدر من عاقل لمعدوم؛ لأن من عبد الله فإنه لم يعبده إلا إقراراً بوجوده وقدرته وهكذا توحيد الأسماء والصفات فإن لله أسماء حسنى وصفات عليا فنصفه بما وصف به نفسه ويما وصفه به رسوله، من غير تكييف ولا تمثيل كما قال تعالى:
(لیس كمثله شئ وهو السميع البصير)، وقال: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)
فإفراد الله بالعبادة يتضمن إفراده بالأسماء الحسني والصفات العليا ومن اعترف بالأسماء والصفات وانفراده بها لزمته عبادة الله، لكن قد يأتي الإنسان بما يلزمه وقد لا يأتي
ومن خلال ما تقدم تتضح الحاجة إلى معرفة تقسيم العلماء التوحيد إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والذي دفعهم إلى هذا التقسيم هو توضيح الرد على الذين يقرون بتوحيد الربوبية ويجعلون أول واجب هو النظر والقصد إلى النظر في الكائنات، وهذا خلاف ما ثبت بالأدلة من أن أول واجب الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله كما هو واضح بالآيات وفي قول الرسول لمعاذ لما بعثه إلى اليمن :
«إنك ستأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» فلم يبدأ بشيء قبلها ؛ وفي هذه النصوص إبطال دعوى الذين يجعلون بينهم وبين الله وسائط ؛ فيعظمونهم لطلب الاستشفاع بهم عند الله فينذرون لهم ويقصدون الصلاة عندهم، تعظيما لهم ليشفعوا لهم، فسبحان الله ما أعظم شأنه، هذا عين صنیع کفار قریش فإنه لم يعرف عن واحد منهم أنه أشرك بتوحيد الربوبية بل صنيعهم ما حكى الله عنهم: (وما نعبدهم إلا يقونا إلى الله زلفى).
فتأمل يا أخي القارئ معنی لفظة التوحيد ودوافع تقسيم العلماء له إلى ثلاثة أقسام حتى يتبين لك الطريق ويتضح لك السبيل والفرق بين معاني لفظة التوحيد عند أهل السنة والجماعة وعند الكفار وعند بعض أهل البدع..