عنزة
أعظم القبائل العدنانية بل العربية عدداً وأعلاها شأنا وأمنعها جانباً وأكثرها انتشاراً ، ويرتقي نسبها إلى عنز بن وائل بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معبد بن عدنان ،
والمعروف بين البدو أن جد عنزة هو عنز بن وائل ، أخو بكر بن وائل وتغلب بن وائل ، وأن بني وائل هم بطن من ربيعة من العدنانية ، ومن هنا كانت تسميتهم ببني وائل ، ويخطئ من ينسبهم إلى قبيلة تغلب المعروفة في الجاهلية ، إذ لاعلاقة بين دیار هؤلاء وأولئك ولا صلة بين ماضيها ، وهم كثيرون لا يكادون يحصون ، وكل فرع منهم يماثل في عدده أكبر العشائر ، ومن هنا جاء المثل ( عنزة دود الفرث ) مبالغة في ذکر عددهم ،
وفي أسطورة يتناقلونها عن سبب تسميتهم بعنزة أن جدهم الأعلى قتل رجلاً بالعنزة ، وهي الرمح القصير ، ويتناقلون أيضا أن لعنزة من القبائل أخوات هي جديلة وعميرة .
إن مواطن عنزة في الأصل بين أواسط نجد وشمالي الحجاز . وقد قدمنا في بحث تاريخ البدو أن قبيلتي عنزة وأسد متصلتان في ربيعة ، وأنها كانتا متحدتين ومتجاورتين كل التجاور في شمالي وادي الرمة, وكان طريق الحاج من البصرة إلى المدينة يمر بأرض القبيلتين المذكورتين .
وكانت عنزة قد احتفظت بالسيادة بعد أن طردت قضاعة من ديار العرب في عهد سابق ، وفروع عنزة الآن كثيرة انتشرت في سائر البلاد العربية واستقرت أقسام منها في الشام والعراق وشمالي الحجاز ، ومنها فروع حضرت واستقرت في بلاد معينة من نجد وساحل خليج البصرة ، وأكثر عنزة ما زال على بداوته الصرحاء ، مثل الروالة والأحلف والولد علي والعبارات والأسبعة والفدعان والأحسنة ، وبعضها قد انتقل إلى حياة الحضارة ، ففي نجد وساحل الخليج ثلاث عائلات حاكمة من أصل عنزي ، آل السعود في نجد وآل صباح في الكويت وآل خليفة في البحرين .
ويقول فؤاد حمزة في كتابه ( قلب جزيرة العرب ) إن من عنزة بعض العشائر المتحضرة في نجد ، وأهمها في العارض والحريق والحوطة والأفلاج والسدير والداخلة وفي القصيم وبريدة ، وأن بعض عنزة يقطنون في هجر ( جمع هجرة بمعنى مستعمرة )، أنشأها لهم الملك عبد العزيز آل السعود .
وهم عشائر عديدة لا يؤلفون وحدة سياسية بينهم ، وليس لهم نخوة عامة وإنما هم متفرقون في المنازل لكثرتهم ومتباعدون ، ولا ينفكون عن التخاصم والتناحر ، إلا إذا مست الحاجة .
وهم يرجعون إلى جذمين كبيرين يدعونهما ( ضنا ) والضنا بمعنی نسل ، ويقولون أن جدهم الأعلى وائل أعقب ولدين عنز ومعاذ ، فعنز هو أبو عنزة الذين نحن في ذكرهم ، ومعاذ أبو قبائل حرب التي لا تزال في الحجاز ونجد،
ثم يقولون إن عنز أعقب ولدين هما مسلم وبشر ، فسلم أبو ( ضنا مسلم ) ولهذا الضنأ بطنان الجلاس والوهب ، فمن بطن الجلاس أفخاذ أو عشائر الروالة والمحلف ، ( بتسكين الميم وفتح الحاء ) هم عشائر الأشاجعة والعبد الله والسوالمة الذين حالفوا الرولة ، ومن بطن الوهب أفخاذ أو عشائر الولد علي والمنابهة ، فبعض الولد علي في بلاد الشام ، وبعضهم واسمهم (الأيدة ) في شمالي الحجاز وغربي نجد ، وليس من الأيدة في بلاد الشام إلا أفراد طارئون يذهبون ويجيئون للاتجار ولبعض المصالح الشخصية ، ولا يقيون إلا وقتية ، وبعض عشيرة الأحسنة المعدودة من المنابهة في الشام ( شرقي حمص ).
ثم إن بشر هو أبو ( ضنا بشر ) ، ولهذا الضنأ أيضا بطنان عبيد وعمارة فمن بطن عبيد أفخاذ أو عشائر الأسبعة والفدعان وولد سلمان ، فالأسبعة والفدعان في شمالي الشام ( شرقي حماة وحلب ) ، والولد سليمان في شمالي الحجاز ، ومن بطن عمارة عشيرة العارات التي انحازت إلى العراق وصارت تعد من عشائره ، وتظهر آثار عصبية النسب أحيانا بين عنزة عند النزاع والخلاف ، فقد يتعصب السبيعي للفدعاني ضد الروالي ، كما يتعصب هذا للأحسني ضد المذكورين ، كما أنهم قد يلتقون جميعا لمدافعة أي عداء يأتيهم من شمر أو من عربان الديرة ، إلا أنه من المؤسف أن تكون الشحناء منذ أمد بعيد ، ولا سيا منذ سنة ۱۳۶۸ هـ. مستحكمة بين ضنا مسلم وضنأ بشر .
أما الشرف بين عشائر عنزة فقد قالت عنه السائحة الإنكليزية الليدي بلانت التي جالت بين العشائر في سنة ۱۲۹۳ هـ. « إن البيوتات الشريفة في عشائر بادية الشام عامئذ كانت ابن مزيد ( الأحسنة ) وابن جندل ( السوالمة ) وابن الطيار ( ولد علي ) وابن هذال ( العمارات ) وابن سمير ( ولد علي ) ، ثم يأتي بعد هؤلاء ابن صفوق ( شمر الجربا ) وشيوخ طيء ( آل عساف ) وابن هديب ( الموايجة من الأسبعة الأعمدة ) والمهيد ( الفدعان ) وابن مرشد ( الأسبعة البطينات ) ، وقالت : أما ابن الشعلان فلیست شرافيته إلا عرضية أخذها بالسيف ، وعراقة نسب شیوخ طيء وشيوخ شمر الجربا لاتقل عنها في البيوت الخمسة الأولى ».
وأضاف المقدم مولر الفرنسي على ذلك قوله :
« ومن الغريب أن هذا الترتيب لا يزال على التقريب ، كما كان قبل نصف قرن » قلت : إن أكثر الأقوال التي استقيتها توافق الليدي بلانت في ماذكرته ؛ إلا أنها تجعل آل هذال كبير العمارات في ذروة التقدم على جميع رؤساء عنزة ، وآل محمد ( الجربا ) على جميع رؤساء شمر . وتجعل آل غبين في الفدعان الولد من عنزة أقدم بيت في عنزة ، وكما أن هذا البيت رؤساء ضنأ كحيل هم رؤساء ضنأ بشر قاطبة من قبل .
وقال السائح الدانماركي نيبوهر الذي زار بلاد الشام في حدود سنة ۱۱۸۰ هـ عن عنزة ما تعريبه :
« أما عنزة فتعد أكبر عشائر بادية الشام، ولعلها أيضا أكبر عشائر نجد أو الجزيرة العربية كلها ، وهي تأخذ أموالا وفيرة من ركب الحج الشامي ، وإذا ما نهب هذا الركب يكون فاعلوه حتمأ من عنزة ، وهذه العشيرة في قتال دائم مع حكام هذه البلاد ولا سيا مع والي دمشق ، وقد نهبوا من مدة قافلة كبيرة كانت قادمة من بغداد على بعد يوم من دمشق ، كنت أرسلت معها صندوقأ لي فنهبوه في الجملة ؛ إلخ … ».
وقال السائح السويسري بركهاردت الذي زار بلاد الشام في حدود سنة ۱۲۲4 ه ما خلاصته : « أما عنزة فأكبر عشائر بادية الشام وإذا جمعت مع أقاربها في نجد صارت من حيث العدد أكبر العشائر العربية طرة ، وهي وإن كانت قد اعتنقت المذهب الوهابي في حدود سنة ۱۲۰۹ ها، لكنها ظلت على صلات حسنة مع الولاة العثمانيين بحكم الفوائد التي تستدرها من قوافل الحجاج ، وهذا ما حملها على عدم تأدية الضرائب المفروضة إلى رئيس الوهابية ، إلا أنها إذا انقطعت مواردها من قوافل الحجاج سرعان ما تنقلب على أولئك الولاة وتنحاز إلى الوهابيين للغارة على مشارف الشام » ، اهـ .
وقد عني هذا السائح بعنزة كل العناية ، وجعل المجلد الأول من كتاب رحلاته إلى بلاد العرب خاصاً في الغالب بأوصافهم ، وعاداتهم وتقاليدهم ، وكتابه هذا ترجم إلى الفرنسية وطبع سنة ۱۲۵۱ هـ ، ومثله عمل من بعد السائح الشيكوسلوفاكي موزيل ، الذي جاء في حدود سنة ۱۳۲۵ هـ وألف كتابة خاصة بعشيرة الروالة كما سنذكره في بحث الروالة .
أما كتاب العرب ومؤرخوهم ونسابوهم فلم يذكروا مواطن عنزة ولا تاريخها في القديم ولا في الحديث ، ولذا لا نجد لها في مصادرنا العربية إلا نبذة مبعثرة لا تروي غلة ، ومن ثم كان جل ما عرف عن تاريخ عنزة آتيا من المصادر الأجنبية ، وهو يتلخص في أنها كانت كما قلنا بين الحجاز ونجد في شمالي وادي الرمة من جنوبي غربي تياء حتى خيبر ، وكان يحاددها من الشمال عشيرة بني صخر ، فأدى هذا الحوار إلى عداء شديد بين الفريقين ، ظهر أثره في الحوادث التي أعقبت خروج عنزة من مواطنها إلى الشام .
وكانت هجرة من وفد من عنزة إلى بلاد الشام طبيعية ، وبسبب الجدب والضيق ، وبالتتابع على مثال الهجرات البدوية العديدة ، التي قلنا أن سيلها لم ينقطع ، وقد اختلفت الأقوال في تاريخ وفود عنزة إلى بلاد الشام ، فمن قائل إنهم قدموا في القرن الثاني عشر في حدود سنة ۱۱۱۲ ه على ما جاء في كتاب ( تاريخ شرقي الأردن وقبائلها ) ، ونحن أعتمدنا على هذا القول في الجزء الأول من كتابنا هذا ( ص ۱۰۷ )، إلا أنه تبين لنا بعد من مراجعة كتاب ( تاريخ الأمير فخر الدين المعني ) طبع بیروت سنة 1936 م، أن مجيء عنزة أقدم من ذلك بما لا يقل عن قرن ، فقد أورد مؤلف هذا الكتاب الشيخ أحمد الخالدي اسم عنزة في سياق حوادث سنة ۱۰۳۰ هـ ، كما أن عبارة المعلمة أو دائرة المعارف الإسلامية تؤيد ذلك ، وتجعل مجيئهم في القرن الحادي عشر .
ولما جاء بركهاردت المذكور آنفا في سنة ۱۲۲4 ه. وجد عشائر عنزة ولا سيا الأحسنة منها منبسطة في بلاد الشام منذ زمن بعيد لم يستطع هو تحديده ، وهذا مما يؤيد ظن مجيئهم في القرن الحادي عشر .
واختلفت الأقوال أيضا في من كان أول عنزة في القدوم إلى بلاد الشام ، والغالب أنها عشيرتا الأحسنة والولد علي ، ثم بعد مدة لحقتها عشائر الفدعان والأسبعة والعمارات وأخر من جاء الروالة ، وفي ( تاریخ شرقي الأردن وقبائلها ) أن عنزة حينما جاءت مرت شمالأ في طريقها بالجوف ، فاصطدمت بالسرحان إحدى عشائر الشام القديمة ، وقد كانت السرحان نزحت من حوران على أثر حربها مع السردية وانكسارها ، وجاءت قبيل ذلك وتديرت الجوف . فدحرت عنزة السرحان وبني صخر الذين هرعوا إلى نجدتها بحكم عداوتهم القديمة العنزة ، وما زالت حتى أخرجت السرحان من الجوف ، وأكرهتها على الرجوع إلى حوران ، عدا نفر قليل منها لا يزال لهم هناك أعقاب .
وبعد أن مكثت طلائع عنزة في الجوف زمنة يصعب تحديده ، رأت أن الجوف يضيق بها ولا يكفيها ، فاستأنفت زحفها نحو الشمال ، وبلغت براري البلقاء وحوران ، وهناك اصطدمت بعشيرة السردية إحدى عشائر الشام القديمة أيضا ، وكان للسردية شيخ يدعى المحفوظ السردي ، له سطوة ورفعة كبيرتان ، وجرت معركة حاسمة في جوار المزيريب ، أسفرت عن اندحار المحفوظ وحلفائه ( أهل الشمال ) ، وتفرقهم في فلسطين وغور بيسان ، وبذلك انتقلت إلى عنزة سيادة البلاد الممتدة في شرقي دمشق وحوران إلى البلقاء ووادي السرحان والجوف ، أما أنحاء عجلون فقد كانت خاضعة آنئذ إلى ظاهر العمر صاحب عكاء (۱۱۶۹ – ۱۱۸۹ هـ ) فلم تجسر عنزة على دخولها ، وقد وقع انتصار عنزة هذا على المحفوظ السردي فيا يظن في حدود سنة ۱۱64 .
وكان السردية في تلك الحقبة زعماء حلف بدوي مؤلف من عشائر تدعى ( أهل الشمال ) ، هي السردية والسرحان والعيسى والفحيلية) . وقد ظل هذا الحلف الرباعي ضعيفة متفككة ، بعد أن صدمته عنزة حتى أواخر القرن المذكور، حينما تولى قيادته مشایخ بني صخر الذين صاروا أقوى عضو فيه ، فبعد أن استعادت هذه العشائر مكانتها الأولى بهذا التحالف ، أخذت تتحدى عنزة وتغير على مواشيها وتكرهها على مغادرة براري شرقي الأردن ، وكانت الحرب سجالا فيا يظهر ، ودامت إلى أواخر القرن الثاني عشر ، والجموع التي تقاتل عنزة وتكرهها كانت تستعين بشيعة جبل عامل أيضا ، وعشيرة عنزة التي كانوا يقاتلونها هي ( الأحسنة ) و ( الولد علي ) القادمتان في قيادة آل مزید ( أي آل ملحم ) شيوخ الأحسنة ، فقد جاء في مقال عنوانه ( جبل عامل في قرن من سنة ۱۱۹۷ إلى سنة ۱۲۶۷ هـ ) منشور في مجلة العرفان الصيداوية ( المجلد ۲۸ ) عبارة خلاصتها أنه في ربيع الأول سنة ۱۱۹۳ هـ ركبت خیل المتاولة أجمع من الصقر والسردية وبني صخر على عرب عنزة رعية ( فاضل المزيد ) فالتقى الجمعان ، فقتل شيخ المتاولة ، وسلبت العرب جميع خيولهم ، وما ألقت عليهم شيئا يستر أبدانهم ، فمات معظمهم من البرد ، إلخ …
ويبدو أن النصر قد حالف عنزة في آخر الأمر ، فزحفت ( الولد علي ) نحو حوران والجولان ، واتخذت لنفسها منازل ومقايظ ، وزحفت ( الأحسنة ) شمالا وبلغت ديرة الشنبل حيث المجال أوسع والمرعي أخصب ، وكانت عشيرة الموالي ذات المجد والبأس رابضة هناك منذ قرون ، إلا أنها كانت تعبة من مدافعة شمر القادمة من نجد ، ومن مدافعة طيء التي كانت تغير من الجزيرة ، ومن مدافعة بني خالد القادمة من الإحساء ، مما لا تزال قصائد معاركهم مع الموالي تدور على ألسنة شعراء البوادي وقصادها .
ولما بلغت الأحسنة ديرة الشنبل – في حدود سنة ۱۱۷۱ هـ على ما يظن – اخترقت حد الموالي ، ونازعتها على مناطقها ، وأكرهتها على الجلاء عن مواطنها القديمة في أنحاء سلمية ، وعلى التراجع نحو ناحية العلا حيث استقرت فيها حتى يومنا، كما نازعت بقية عشائر دیار حمص وحماة وأخضعتها وفرضت عليها الخوة ، ثم توالت أمواج عنزة المتدفقة ، ونعني بها عشيرتي الفدعان والأسبعة ، وقاتلتا الأحسنة ، واحتلتا براري حماة وحلب ، وقد عجز ولاة الترك في تلك الحقبة عن صد هذه الحركات الخطرة ، فأصبحت عنزة سيدة بادية الشام دون منازع ، حتى وادي الفرات وأطراف العراق ، وأخلت بالأمن ، وشلت كل عمل في التجارة والنقل ، ومنعت كل عمران في القرى الشرقية .
وكانت شمر رجعت وقتئذ من نجد ثانية في نفس الوقت الذي بلغت فيه عنزة براري الشام الشمالية ، ولنفس السبب الذي خرجت به عنزة وهو الجدب والضيق واستفحال الحركة السعودية ، ووصلت شمر إلى منطقة الوديان ، کوادي حوران ووادي عامج ، وبدأ التزاحم بين القبيلتين العظيتين على المراعي والمناهل ، فاضطرت شمر إزاء خصومها الكثر إلى أن تعبر الفرات ، وتنتقل إلى الجزيرة الفراتية كما فصلناه في بحثها الخاص ، ومن ثم صارت تغير على عنزة من حين إلى آخر، وتنتقم كلما وجدت سبيلا إلى ذلك .
ومن وقائع عنزة في تلك الحقبة ما جاء في تاريخ حيدر الشهابي في أحداث ۱۲۳۰ هـ/۱۸۱۶ م أن جموعة عظية من الفدعان والأسبعة والعمارات وأمثالها من عشائر عنزة قدمت من نجد هربا من الجدب والضيق ، وانتشرت في شرقي العاصي في أماكن تسمی الشطيب والحميدي وتل طوقان ، وأن والي الشام سليمان باشا السلخدار خشي وقتئذ أن يستبيحوا حمي المعمور ، فأمرهم بالخروج ، فاعتذروا وامتنعوا ، فساق عليهم جيشا اشترك فيه مهنا الفاضل شيخ عشيرة الأحسنة لعداء سابق بينه وبين الفدعان ، وأن المعركة حدثت حول مياه سلمية التي كانت خرابا يبابا وقتئذ، ووقع القتال بينهم وبين أولئك العربان مدة خمسة عشر يوما ، وكانت خيالة العربان لابسين الدروع وزلمهم يضربون في البارود ، وكان لهم خبرة عظية في ذلك وانتهى باندحار الجيش .
وفي حدود سنة ۱۲۳۸ هـ/ ۱۸۲۲ م كانت فتن شمر في العراق استفحلت وأقلقت الحكومة أي إقلاق ، ورأت عجزها عن دفعهم ، فأقر والي بغداد علي باشا على أن يستدعي عنزة لتعينه على شمر وتردهم ، فهرعت عنزة ( الروالة منها ) بعدد عدید ، جعل الوالي يستوحش منها ، ويخشی شرها ویندم على ما أقره ، وبعد أن سوى هذا الوالي أمره مع شمر ، حاول أن يرد عنزة بحجة عدم لزومها ، فطلبت منه عنزة أجرأ جزيلا ، لقاء ما تكبدته في زعمها من المشاق في قدومها ، من مكان سحيق كبادية الشام ، وضربت خیامها في ضواحي بغداد بانتظار ذلك ، فأهاج الوالي شمرأ على عنزة ، ورمی الحدید بالحديد، وجرت معركتان كبيرتان في سنتي ۱۲۳۸ و ۱۳۳۹ هـ ، كان النصر في الأولى الشمر ، وفي الثانية لعنزة على شمر ومعها جيش الدولة النظامي ، وراحت عنزة على أثر هذا النصر تفحش وتخرب وتحاصر بغداد إلى أن استنجد الوالي بعشائر العراق الريفية ، فنهدت هذه لمقارعة عنزة ، ونجحت في ردها على أعقابها .
وبعد أن استقرت عشائر عنزة كل منها في ديرة ، شرعت تتنازع وتتناحر على مناطق النفوذ ، وقد كان أولى ضحايا هذا التناحر عشيرة الأحسنة التي سقطت أمام حلف الأسبعة والروالة حول سنة ۱۲۹۷ هـ ، ثم شرعت الروالة تنازع الأسبعة ، فاستنجدت الأسبعة بالفدعان ، وانضوت تحت لواء عقيد الفدعان المغوار جدعان بن مهيد ، فكانت الدبرة على الروالة رغم نصرة جيش الدولة لرئيسها سطام بن شعلان .
وفي المعلمة الإسلامية في مادة عنزة أن القلاقل التي أثارتها عنزة وقتئذ في بادية الشام وطريق الفرات إلى العراق ، ودامت دهرا طويلا، لم تهدأ إلا بعد سنة ۱۲۷۹ هـ / ۱۸۹۲ م ، وذلك على أثر التجريدات القوية التي ساقها ثریا باشا والي حلب ومدحت باشا والي بغداد ، وهما اللذان خفضا غلواء عنزة إلى حد ما ، وقالت هذه المعلمة أيضا أن عنزة كانت في نزاع دائم مع دروز حوران ، ذلك لأن هؤلاء الدروز كانوا يردون غارات عنزة ردة قوية ، ويشدون أزر العشائر الصغيرة ( أهل الجبل ) في دفاعها وغاراتها على عنزة ، ومن أجل ذلك أعانت عنزة الحكومة التركية خلال ثورة دروز حوران الكبرى في سنة ۱۳۱۶ هـ / ۱۸۹۹ م.