مررت يوما ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكا صغيرا قد سقطت من يده صحفة من الفخار الصيني،
وهم يسمونها الصحن، فتكسرت واجتمع عليه الناس فقال له بعضهم، إجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه إياها فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن.
وهذا من أحسن الأعمال فإن سيد الغلام لا بد له أن يضربه على كسر الصحن، أو ينهره وهو أيضا ينكسر قلبه، ويتغير لأجل ذلك فكان هذا الوقف جبرا للقلوب جزى الله خيرا من تسامت همته في الخير إلى مثل هذا.
والأوقاف بدمشق لاتحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها.
فمنها أوقاف على العاجزين عن الحج، يعطى لمن يحج عن الرجل منهم كفايته،
ومنها أوقاف على تجهيز البنات إلى أوزواجهن، وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن،
ومنها أوقاف لفكاك الأسارى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل، يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم،
ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصيفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون، ويمر الركبان بين ذلك،
ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير.
منقول من أحد كتب التاريخ