مقدمة عن الديانة اليهودية وفرقها وطوائفها

 معلومات-ثقافية-عامة-اليهود.

توجد في اليهودية فرق كثيرة تختلف الواحدة منها عن الأخرى اختلافات جوهرية وعميقة تمتد إلى العقائد والأصول، فهي في الواقع ليست كالاختلافات التي توجد بين الفرق المختلفة في الديانات التوحيدية الأخرى.

ومن ثم فإن كلمة ‘فرقة” لا تحمل في اليهودية الدلالة نفسها التي تحملها في سياق دینی آخر، فلا يمكن، على سبيل المثال، تصور مسلم يرفض النطق بالشهادتين ويعترف به مسلما، أو مسيحي يرفض الإيمان بحادثة الصلب والقيام ويعترف به مسيحيا.

أما داخل اليهودية، فيمكن ألا يؤمن اليهودي بالإله ولا بالغيب ولا باليوم الآخر ويعتبر مع هذا يهوديا حتى من منظور اليهودية نفسها . وهذا يرجع إلى طبيعة اليهودية بوصفها تركيا جيولوجيا تراكما يضم عناصر عديدة متناقضة متعايشة دون تمازج أو انصهار .

 ولذا، تجمد كل فرقة جديدة داخل هذا التركيب من الآراء والحجج والسوابق ما يضفي شرعية على موقفها مهما يكن تطرفه. وأولى الفرق اليهودية التي أدت إلى انقسام اليهودية فرقة السامريين التي كانت أقلية معزولة بسبب قوة السلطة الدينية المركزية المتمثلة في الهيكل ثم ” السنهدرین” .

ومع القرن الثاني قبل الميلاد خاضت اليهودية أزمتها الحقيقية الأولى بسبب المواجهة مع الحضارة الهيلينية، فظهر الصدوقيون، والفريسيون، والغيورون الذين كانوا يعدون جناح متطرا من الفريسيين، ثم الأسينيون.

ومما يجدر ذكره أن الصدوقيين كانوا ينكرون البعث واليوم الآخر، ومع هذا کنوا يجلسون في السنهترین، جنبا إلى جنب مع الفريسيين، ويشكلون قيادة اليهود الكهنوتية.

وقد حققت هذه الفرق ذيوعاً، وأدت إلى انقسام اليهودية ، و لكنها اختفت لسببين: أولهما انتهاء العبادة القربانية بعد هدم الهيكل، ثم ظهور المسيحية التي حلت أزمة اليهودية في مواجهتها مع الهيلينية، إذ طرحت رؤية جديدة للعهد يضم اليهود وغير اليهود ويحرر اليهود من نير التحريمات العديدة ومن جفاف العبادة القربانية وشكليتها .

ثم جابهت اليهودية أزمتها الثانية حين تمت المواجهة مع الفكر الديني الإسلامي. فظهرت اليهودية القرائية كنوع من رد الفعل، فرفضت الشريعة الشفوية وطرحت منهجا للتفسير يعتمد على القياس والعقل، أي أنها انشقت عن اليهودية الحاخامية تماماً.

ويضاف إلى الفرق اليهودية يهود ” الفلاشاه” ویهود “الهند” الذين لا يشكلون فرقاً بالمعنى الدقيق، فهم لم ينشقوا عن اليهودية الحاخامية بقدر ما انعزلوا عنها عبر التاريخ وتطوروا بشكل مستقل ومختلف، فهم لا يعرفون التلمود أو العبرية كما أن كتبهم المقدسة مكتوبة باللغات المحلية .

كما أن هناك فرقا صغيرة مثل الإبيونيين والمغارية والعيسوية والثيرابیوتای و غيرها، وهي فرق صغيرة لكل منها تصورها الخاص عن اليهودية . ولكنها ، نظرا العزلتها، لم تؤثر كثيرا في مسار اليهودية وقد اختفى معظمها من الوجود.

( راجع موسوعة اليهود واليهودية للمسیری )

ثم جابهت اليهودية أزمتها الثالثة في العصر الحديث (في الغرب) مع الانقلاب التجاري الرأسمالي الصناعي.

 وقد ظهرت إرهاصات الأزمة في شكل ثورة شبای تسفي” على المؤسسة الحاخامية، فهو لم يهاجم التلمود وحسب، وإنما أبطل الشريعة نفسها، وأباح كل شيء لأتباعه، الأمر الذي يدل على أن تراث القبالاه الحلولي، الذي يعادل بين الإله والإنسان، كان قد هيمن على الوجدان الديني اليهودي، وقد وصف الحاخامات  تصور القباليين للإله بأنه شرك .

وبعد أن أسلم ” شبتای تسفي”، هو وأتباعه الذين أصبحوا يعرفون بالدونمه ظهر ‘جیکوب فرانك” الذي اعتنق المسيحية (هو وأتباعه) وحاول تطوير اليهودية من خلال أطر مسيحية كاثوليكية.

وقد تفاقمت الأزمة واحتدمت مع الثورة الفرنسية، حيث إن الدولة القومية الحديثة في الغرب منحت اليهود حقوقهم السياسية، وطلبت إليهم الانتماء السياسي الكامل، الأمر الذي كان يعنی ضرورة تحديث اليهود واليهودية وما تسبب عن ذلك من أزمة أدت إلى تصدعات جعلت أتباع اليهودية الحاخامية التقليدية (أي اليهود الأرثوذكس) أقلية صغيرة، إذ ظهرت اليهودية الإصلاحية ثم المحافظة ثم التجديدية، وهي فرق أعادت تفسير الشريعة أو أهملتها تماما، واعترفت بالتلمود أو وجدت أنه مجرد كتاب مهم دون أن يكون ملزما.

كما أنها عدلت معظم الشعائر، مثل شعائر السبت والطعام، وأسقطت بعضها، وعلت أيضا كتب الصلوات وشكل الصلاة، أي أن فهمها لليهودية وممارستها لها يختلف بشكل جوهری عن اليهودية الحاخامية الأرثوذكسية.

ومن الواضح أن هذه الفرق الجديدة هي الآخذة في الانتشار، في حين أن الأرثوذكس يعانون من الانحسار التدريجي.

ومنذ أيام الفيلسوف “اسبينوزا ”  ظهر نوع جديد من اليهود لا يمكن أن نقول إنه فرقة ولكن لابد من تصنيفه حيث يشكل الأغلبية العظمى من يهود العالم (نحو 50٪).

وهذا النوع من اليهود هو الذي يترك عقيدته اليهودية، ولكنه لا ينبنى عقيدة جديدة، وهو لا يؤمن عادة بإله على الإطلاق، وإن آمن بعقيدة ما فهو يؤمن بشكل من أشكال الدين الطبيعي أو دين العقل أو دين القلب ، ولا يمارس أية طقوس.

وهؤلاء يطلق عليهم الآن اسم : “اليهود الإثنيون ” أي أنهم لا ينتمون إلى أية فرقة دينية تقليدية أو حديثة ، ولكنهم مع هذا يسمون أنفسهم يهودا لأنهم ولدوا لأم يهودية! وتنعكس الخلافات بين الفرق اليهودية المختلفة على الدولة الصهيونية الأمر الذي يزيد صعوبة تعريف الهوية اليهودية .

وملخص ما سبق أن اليهود بعد رجوعهم من السبي البابلي قامت بينهم فرق ثلاث كبيرة: “الفريسيون، والصدوقيون، والسامريون”، وفرق أخرى صغيرة تدعى كل فرقة أنها أمثل طريقة، وأشد تمسكاً بأصول الدين اليهودي وروحه من الفرق الأخرى ،

وقد ظهرت هذه الفرق بعد ختام أسفار العهد القديم وتقنينها – أي في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد – ومن هنا كان أهم موضوع يدور حول اختلاف هذه الفرق، وهو الاعتراف باسفار العهد القديم، والأحاديث الشفوية المنسوبة إلى موسى عليه السلام، وأسفار التلمود، أو إنكار بعض هذه الأصول ورفض الأخذ بما جاء فيها من أحكام وتعاليم، وقد انقرضت معظم هذه الفرق، ولم يبق منها في الوقت الحاضر إلا القليل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top