المرجئة: Protracted
سميت بهذه التسمية؛ لأن مؤسسيها يرجئون – أي يؤخرون – العمل على النية في الرتبة والاعتقاد . فالإرجاء هو التأجيل والتأخير.
يعتقدون أنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وقالوا: إن الله قد أرجا تعذيبهم عن المعاصي أى أخره عنهم. كذلك يذكرون أن الإيمان قول بلا عمل؛ لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل، ويحتجون بقول الله تعالى:
وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم.
وإلى جانب العامل الدینی نضع معه العامل السياسي، خاصة وأن الدين في تلك الفترة من فجر الإسلام مرتبطاً بالسياسة ارتباطاً وثيقاً، لأن السلطة الدينية كانت هي بغينها السلطة السياسية، وعلى ذلك فإن المرجئة قد نشأت أيضا باعتبارها حزباً سياسياً ثالثاً مستقلاً قام مع الحزبين الآخرين الشيعة والخوارج .
وترى المرجئة أن الإمام من قريش، لكنها تنكر أن يكون الله ورسوله قد نصا على أنها من سلالة معينة أو أنها بالوراثة، فالإمامة ينبغي أن تكون شوری بین خیار الأمة وفضلائها.
لقد كان ظهور المرجئة في وقت الفتنة والاضطراب الكبير الذي عم البلاد، حيث برز الإرجاء نتيجة المجادلات المستمرة بين الفرق، لاسيما بين الخوارج وغيرهم، وكانت الفتنة من أسباب التسرع في الرد وقدح الرأي، إذ لم يكن المجال میسورة للسؤال والتأكد والأمور هائجة والأحداث متلاحقة .
كما يمكن أن ينشأ في أي قضية مماثلة، فإن من سنن الاجتماع أن أي نزاع يشجر بین طائفتين قد يفرز فئة ثالثة محايدة، إن جدلية الحياة هي القانون الرئيسي لكل حياة .
وبحسب هذه الجدلية تمضي الحياة في تطورها من الشيء إلى نقيض الشيء، فالشيء يخلق نقيضه وينشب الصراع بين هذين النقيضين ونحتدم، قبل أن يتمخض صراع النقيضين عن ائتلاف جديد لن يلبث حتى يتمخض عن نقيضه وحتى ينشب بينهما.
وقد اختلف العلماء في أول من أسس هذا المذهب فقيل هو: ذر بن عبد الله الهمداني، وهو تابعي متعبد، ويبدو أنه قد عرضت له شبهة وكان شاباً فيها، ثم جزم بها وأصر عليها لما لاقت رواجاً، عن الحسن بن عبيد الله قال : سمعت إبراهيم النخعي يقول لذر: ويحك يا ذر ما هذا الدين الذي جئت به؟ قال ذر : و ما هو إلا رأي رأيته.
وقد تعرض لنقد العلماء المعاصرين فذمه النخعي وكان لا يرد عليه إذا سلم. وقيل أول من أحدث هذا الأمر هو قيس الماصر” من أهل الكوفة، وقيل حماد بن أبي سليمان (ت ۱۲۰هـ) شيخ أبي حنيفة وتلميذ النخعي ، والخلاف بينهم غير مؤثر فكلهم متعاصرون، وكلهم في بلد واحد، وقولهم في الإرجاء واحد.
وقيل الجهم بن صفوان، وهو من شواذ المبتدعة في مطلع القرن الثاني، والجهم هذا لم يبتدع مذهبه في الإيمان اعتمادا على شبهة نقلية أو أثارة من علم، وإنما كان رجلاً لسنا مجادلاً، مجبولاً على المحادة والاعتراض والمراء، ومع ذلك لم يجلس إلى عالم أو يتفقه على إمام، بل شهد عليه بعض من عاصره بالجهل في الأحكام الشرعية.
وقد جالس أصحاب الأهواء وبعض الملاحدة وعلى رأسهم شيخه الجعد بن درهم الذي قتله الوالي الأموي خالد بن عبد الله القسرى بسبب إنكاره الصفات.
ويؤكد المرجئة على أن الإيمان ليس له علاقة بالعمل، وأن العمل لي من الإيمان، وأن ترکه بالكلية لا ينفي الإيمان بالكلية، ويستدلون على ذلك بالحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله – ص – يقول: من زعم أن الإيمان يزيد وينقص، فزيادته نفاق ونقصانه کفر، فإن تابوا وإلا فاضربوا أعناقهم بالسيف، أولئك أعداء الرحمن، فارقوا دين الله، وانتحلوا الكفر، وخاضوا في الله، طهر الله الأرض منهم، ألا ولا صلاة لهم، ألا ولا صوم لهم، ألا ولا زكاة لهم، ألا ولا حج لهم، ألا ولا بر لهم، هم براء من رسول الله – ص – ورسول الله براء منهم).
والمرجئة شأنها شأن الفرق الأخرى تضم فرئا أهمها:
( اليونسية): أتباع يونس بن عون النميري، وقد أكدت على أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له والمحبة بالقلب، فمن توافرت فيه هذه الصفات مجتمعة فهو مؤمن صادق، وأن المؤمن يدخل الجنة بإخلاصه ومحبته لا بعمله وطاعته .
(العبيدية): أتباع عبيد المكتب، وهي الفرقة الثانية من فرق المرجئة ، تقول : إن علم الله عین ذاته، واعتقدت أن الله مشابه للإنسان الذي خلقه على صورته ، وأن العبد إذا مات موحدا فلم يصاب بأذى في الآخرة على الآثام التي اقترفها في حياته .
(الغسانية): أتباع غسان الكوفي، تقول أن الله فرض الحج ولا ندري أين الكعبة، ولعلها بغير مكة ، ولقد بعث الله محمدا ولا ندري أهو الذي بالمدينة أم بغيرها، ومقصودهم بهذه الأمور أنها ليست داخلة في حقيقة الإيمان .
(الثوبانية): أتباع أبي ثوبان المرج، تقول إن الإيمان هو الإقرار بالله ورسوله، وبكل ما لا يجوز في العقل فعله، وأما من جاز فعله فليس الاعتقاد به من الإيمان، كما أن القدر خيره وشره من العبد ولا دخل لله فيه، بالإضافة إلى أن الإمامة ليست بالنص بل تجوز لأي إنسان مؤمن.
(الثومانية): أتباع أبو معاذ الثومني يرى أن الإيمان هو المعرفة والتصديق والمحبة والإخلاص لله والإقرار بما جاء به رسول الله، وأن من ترك ذلك أو آمن ببعضه وترك البعض الآخر فهو كافر.
( الشمرية): أتباع أبي شمر المرجئي القدري، يقول البغدادی: وهذه الفرقة عند أهل السنة أكفر أصناف المرجئة؛ لأنها جمعت بين الإرجاء والقدر .
و (النجارية): أتباع الحسين بن محمد النجار، يوافقون أهل السنة في بعض أقوالهم مثل: خلق الأفعال، والاستطاعة، والإرادة، ويوافقون القدرية في بعض الأصول مثل: نفي الرؤية، وأن كلام الله مخلوق. وقالوا أن الإيمان يزيد ولا ينقص، وقد تفرع عن هذه الفرقة ثلاث فرق أخرى: البرغوثية، المستدركة، الزعفرانية.
( الغيلانية): أتباع غيلان الدمشقي، يقولون أن الإيمان بالله عن نظر واستدلال، وأن الإيمان لا يحتمل الزيادة والنقصان.
( الشبيبية): أتباع محمد بن شبيب، يقولون أن الإيمان هو الإقرار بالله والمعرفة بأنه ليس كمثله شيء، يقولون أن الإيمان يتبعض ويتفاضل أهله، وأن الخصلة من الإيمان قد تكون طاعة وبعض إيمان، ويكون صاحبها كافرا بترك بعض الإيمان.
(الكرامية): أتباع أبي عبد الله محمد بن کرام، وقد انقسمت فيما بينها إلى فرق مثل: الإسحاقية، الهيصمية، المهاجرية، العابدية، الزرينية، الحيدية، التونية . يقولون أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله – ص- کانوا مؤمنين على الحقيقة، يعتقدون أن الله تعالی جسم وجوهر ومحل للحوادث، ويثبتون له جهة ومكائا، يقولون أن الله تعالی مستو على العرش استواء ماديا .
يقولون في الإمامة أن علياً ومعاوية كانا إمامین محقين في وقت واحد، يقولون أن الصلاة جائزة في أرض نجسة، وزعموا أن الطهارة من النجاسة ليست واجبة، وأن غسل الميت ليس بواجبه.