من هو نوري الشعلان رئيس عشيرة الرولة؟

نوري الشعلان

 رئاسة الروالة 

فهي ما برحت منذ قرن أو أقل في بيت آل شعلان ، بعد أن كانت في يد آل قعقاع ، وقد تمركزت الرئاسة في آل شعلان فلا ينازعهم فيها منازع ،

 وبلغ من شدة النفوذ التي لرئيس الروالة أن سائر العشيرة لم يعد لها مكان خارجي إلا في بیت الرئاسة ،

 وقد كان الرئيس إلى عهد قريب نوري بن هزاع بن نايف بن عبد الله بن منيف آل شعلان (۱۲۹۷ – ۱۳۹۱ هـ ) .

 وقد قضى هذا الشيخ أربع وثمانين سنة حياة حافلة بأعمال وأحداث كثيرة ، وتشبه سيرته إلى حد ما سيرة الأمير مهنا بن عيسى أمير آل فضل وكبير رؤساء بادية الشام في عهد السلاطين المماليك المتوفي في سنة ۷۳۰ هـ  ،

 وقد رافق النوري أهم الوقائع التي مرت ببلاد الشام خلال نصف قرن أو نحوه في عهد السلطان عبد الحميد والسلطان رشاد والاتحاديين ، وسامي باشا الفاروقي وجمال باشا قائد الجيش الرابع ، والملك فيصل بن الحسين ، وعهد الجنرال غورو الفرنسي ، وعهد الحكومات السورية المحلية على اختلاف ألوانها .

 واشتهر النوري بدرايته وحنكته البالغتين في موالاة جميع الذين تعاوروا الحكم المدني والعسكري في ديار الشام ، ففي عهد الترك كان يتقاضى لنفسه نحو نصف ضريبة الودي المفروضة على عشيرته الكبيرة ، وهذا فوق الهبات والهدايا من أشياء ونقود وفيرة كانت تصله من الترك ، إلا أن سامي باشا الفاروقي قائد حملة جبل الدروز سنة ۱۳۲۸ هـ/۱۹۱۰ م اعتقله مرة ونفاه إلى الأناضول ، لكنه عاد بعد مدة وجيزة وزادت منعته وعلت كلمته من يومئذ ، وفي خلال الحرب العامة كان قائد الجيش الرابع أحمد جمال باشا ينقده نحو ۲۰۰۰۰ ليرة ذهبية في كل شهر، ويحاول بذلك أن يستنصره ، ويشركه في حملته على قناة السويس وفتح مصر ، لكنه لم يوفق لجذبه كما أراد ،

 وكان الشيخ نوري رأي هبوب ريح الغلبة نحو الإنكليز ، فانحاز في أواخر الحرب المذكورة إلى جانبهم ، وصار يحتجن منهم مبالغ طائلة ، فاقت منح جمال باشا، وغطت على زيارته له في مضاربه ومحاسنته إياه ، واجتمع بعد حين بلورنس الإنكليزي نافخ ضرام الثورة العربية وبالشریف تسنح له الفرصة .

 ولما شرع الجيش التركي بالتقهقر من جنوبي بلاد الشام وصار الجيش العربي الفيصلي يتقدم ، مشي النوري وشارك هذا الجيش مع بعض أتباعه من خيالة الروالة وغيرهم إلى أن دخل دمشق في أيلول سنة 1918 م/۱۳۳۷ هـ على أثر جلاء الترك ،

وكان المرحوم الملك فيصل يمنحه في كل شهر فيما قالوه نحو ۳۰۰۰ ليرة ذهبية ، وهذا غير المنح الجنسية التي كان يستدرها منه من حين إلى آخر، وغير ما كان يجنيه من أحمال الملح الخارجة من قريات الملح حينما كانت في حوزته ، ومن هذه وتلك عد النوري من عظماء المتولين ،

وكان يحضر المجالس المنعقدة أمام المرحوم الملك فيصل واللجان الأهلية المجمعة المعالجة القضية الوطنية ، والمذاكرة في دفع خطر الجنرال غورو الفرنسي عن الدولة السورية الناشئة في سنة 1919 م/۱۳۳۸ هـ ، ولا نفد المقدور واحتل هذا الجنرال مدينة دمشق في سنة ۱۹۲۰ م / ۱۳۳۹ هـ زاره النوري وقدم له سيفا عربيا جميلا ، وقال له ( في رواية صاحب جريدة ألف باء – أنا نصحت فیصل ما سمع ، ترى العقل زین ).

وبعد أن تم الاحتلال عقد الشيخ نوري مع المندوب الفرنسي الكولونيل کاترو اتفاق تعهد فيه بحراسة طرق القوافل في البادية ، وحماية السكان الحضر ، وتأمين السلام بين العشائر ، وتجنيد قوة من خيالته أو هجانته لقاء تأييد رئاسته على الروالة وتوابعها ، وعشائر جبل الدروز وحوران ووادي السرحان ولقاء ألفي ليرة ذهب عثماني راتب شهرية ، ولقب في ذلك الحين بالأمير ، ولما اشتعلت الثورة الشامية الكبرى سنة ۱۹۲۵ م وما بعدها، أبرق النوري إلى المفوض السامي الفرنسي يستنكر هذه الثورة ويعرض ولاءه ومعاونته ، ( تقويم البشير لسنة ۱۹۲۹ م ص ۱۸۳ )، وقد ظل على هذا الولاء طيلة انتداب الفرنسيين .

ومن أجل ذلك كان يلقى منهم أكبر رعاية وأجمل حرمة فوق كل رؤوساء البادية ، ومنحوه في سنة ۱۹۲۷ ، وسام جوقة الشرف من درجة فارس ، ثم رفعوا هذا الوسام إلى درجة كوماندور ، وجعلوا الأمير نوري مثلا لعشيرته في جميع المجالس التمثيلية والنيابية في دمشق ، ورفهوه إلى حد جعل جريدة ألف باء في العدد المؤرخ في ۲4 تموز ۱۹۳۰ ، تشكو سیاسة الفرنسيين في إعزاز البدو وتدليلهم ، وجموح هؤلاء واستصغارهم شأن الحكومات المحلية والأهلين ، وتقول في الأخير ( حتى صار يخيل للشيخ نوري مثلا ، أنه لا يقل مرکزة عما كان عليه قنصل روسيا في دمشق في عهد الدولة العثمانية ، يوم كانت هذه الدولة في أوج عظمتها ، وحتى صارت سيارته ترفع علمأ ، فلا يجسر على توقيفها وتفتيشها المأمورون أثناء خروجها ودخولها الخ …).

وقد أوثق النوري في أواخر أيامه صلته جلالة الملك عبد العزيز آل سعود ، فزوجه حفيدته ، ابنة نجله الأمير نواف المتوفي ، وكان يلقى من جلالته حفاوة كبيرة كلما زار مكة أو الرياض ، وبهذه المصاهرة ازداد نفوذه ونفوذ آل شعلان كثيرة ،

والأمير نوري رغم أساريره المهيبة ووجهه الملثم في الأكثر إلى حد عيونه الرهيبة ، كان في ساعات أنسه جميل المحاضرة محب للدعابة يقرض الشعر البدوي ، وله قصائد في شرح ما عاناه من الجهد في حياته الشاقة الطويلة ،

وكان يكثر للفرنسيين وغيرهم من الأجانب الحفلات الساهرة والولائم الفاخرة تارة في داره الكبيرة في حي الشعلان الذي ورث اسمه ، وهو في غربي صالحية دمشق ، وتارة في مضاربه في البادية ، وقد ظل في أواخر عمره في داره المذكور متقاعدا لا يبرحها إلى البادية إلا في الأقل ، وانقلب صالحا تقيا محبوبة بعد أن كان في شبابه مرهوبة ، وعهد بإدارة مخيه الخاص إلى حفيده فواز بعد أن فجع في سنة ۱۹۲۱ م بولده نواف أبو فواز ، ولما توفي في ۲ تموز سنة ۱۹۶۲ م ( ۱۳۹۱ هـ ) احتفل الفرنسيون بجنازته ، ونقلوه بسيارة عسكرية إلى مدفنه في قرية عدرا المذكورة .

وكان الأمير نوري فوق حنكته في موالاة حكام البلاد وذوي السلطان النافذ فيها من وطنيين وأجانب ، يحسن قيادة البدو وإدارتهم إلى أبعد حد، وكان صارما في فرض جاهه ونفوذه عليهم ، وفي فض خلافاتهم ومشاكلهم ، والوقوف كحكم غیر مردود الكلمة بينهم ، وكانت أحكامه تنال أجورة باهظة ،

 سئل أحد الروالة وهو يحتضر ، ماذا تقول إذا جاءك منكر ونكير ؟ فقال : ويش مدريني ، النوري يسولف عني ، أي لا أعلم ، النوري يجيب عني ، وفي هذا دليل على ما كان له من النفوذ البالغ على جماعته ،

 وقد فعل في أخر عمره من المبرات مسجدا صغيرا شاده لصق داره في دمشق ، وسبيلا من ماء الفيجة جعل اسمه يتردد بالرحمة ، كما تعلق أيضا بالزراعة وامتلاك الأرضين فاشترى قسما من قرية عدرا التي دفن فيها ، واقتنى مزارع في حوران في قرية الشيخ سعد ، وفي البادية في مكان جنوبي تدمر ، وفي السكري والباردة والبصيري شرقي القريتين ، وأستأجر من أملاك الدولة أرضين في محافظة حمص في موقعي أبي قاطور وجب حبل في شرقي جبل الشومرية .

وفي كتاب ( بادية العرب ) للمستشرق الشكوسلوفاكي موزيل الذي قدمنا أنه كان عشير الروالة وصديق الأمير نوري الشعلان ، فصل رأيناه جديرة بالنقل هنا ، لعلاقته بترجمة هذا الأمير ، وبذكر بعض ما جرى له خلال الحرب العالمية الماضية ، ( عن تقریظ کتاب موزيل الأمين الريحاني في مجلة المجمع العلمي مجلد ۲۸ ص ۱۱۸ ) : قال :

« في الرحلة الثالثة ( ۱۳۳۲ ه/۱۹۱۶ م – ۱۳۳۳ ه/۱۹۱۵ م ) حينا جاء الأستاذ موزیل دمشق كان نوري الشعلان معتقلا في الضمير ، فتوسط لدى الحكومة التركية من أجله ، فأطلقت سراحه بعد أن تواعدت وإياه على الجهاد والجملة على مصر وحرب الإنكليز ، وعدها النوري وعدا كان الشوق إلى البادية أكبر ما فيه ، وأسرع بعد ذلك بالرحيل ، دون أن ينتظر صديقه ومنقذه الشيخ موسى ، فسافر الشيخ موسى وهو ينشد شیخ مشايخ الروالة ، وظل يطوي عشرين يوما في البادية قبل أن يظفر به في مخيمه بخبرة الهجم جنوبي اللاهة في قلب الصحراء ( داخل الحدود السعودية ) .

وقد جاء الشيخ موسی کمندوب عن الترك والألمان لنصح النوري والروالة وعشائر البادية الأخرى بأن يثوروا بنادقهم على الإنكليز بدل أن « يثوروها » بعضهم على بعض ، وكان الأمير نوري قد خرج من دمشق والحكومة تظن أنه سيسعي والشيخ موسى لإنجاح المشروع ، ولم تعلم أن البدو قلما يفتحون قلوبهم في غير البادية ، وكانت قافلة الشيخ موسى هي ضعف ما كانت عليه في سفرته الأولى ، وفي أحمال الهدايا لشيوخ البدو .

وما أجمل ما كان من استقباله في مخيم النوري ، جلس أخو العرب الشيخ موسى إلى يمين الأمير ، وكان في سلامه وفي شوقه وفي أسئلته كواحد من العرب بل كواحد من بيت الشعلان ، وقد حزن حزن واحد منهم عندما سئل عن بعض أصدقائه الغائبين وسمع

الجواب :

« وممدوح بن سطام ، وعذوب بن مجول ، وسعود بن الأمير نوري أين هم ؟ فأجاب الأمير بكلمة واحدة ( راحوا ) . ثم أخبر أخاه الشيخ موسی کیف قتل عذوب في الغزو ، عادت فرسه ملطخة بالدم ، وكيف قتل ممدوح في غزوة بعض عربان شمر نجد ، غزاهم بالنفود ، فغنم جمالهم ، وغرب هاربا ورجاله ، فكن له العدو ، ووقع ممدوح بيد الشمامرة في شعيب العاه ، جانا بخبره من نجوا وحنا بتل العامود ، وابنه سعود ذهب فريسة الغدر ، قتله کلاب بن جازي عند ملتقى وادي النعيم بوادي السرحان شمالي قراقر، جاؤوه غادرين يقولون : أنهم بإمرة عودة أبي تايه . وعربان ابن جازي يلبسون مثل عربان عودة – فصدقهم سعود ، وأنزلهم عليه فغدروا به ، ثوروا البنادق مفاجأة على سعود ورجاله فقتلوه وقتلوا معه أربعة ، وشردوا ، ولكن الباقين من رجالنا لحقوا بهم ، فأدركوهم صباح اليوم الثاني وساقوهم إلى المكان الذي سال فيه دم سعود ، فذبحوهم ورؤوسهم إلى القبلة ذبح النعاج ».

وظل النوري يتدرع بالسياسة، ويتملص من الاشتراك بحملة مصر إلى أن ظهر في الحجاز الكولونيل لورانس ، فغلب الحصان الإنكليزي النسر الألماني ، وظفر لورنس بما لم يظفر به الشيخ موسى ، فجمع شمل العربان وفي مقدمتهم الروالة والحويطات وضمهم تحت لواء الشريف ولواء الحلفاء ، وكان الفضل الأكبر في فوزه للذهب الإنكليزي الوهاج ، إلخ …»، اهـ .

هذا وقد أنجب الأمير نوري ابنا اسمه نواف ، كان عقيد الحرب في الروالة ، ومحبوبة للغاية لشجاعته وأريحيته وتقواه ، ومعرفته بشؤون البادية ، وكان قد ورث جاه أبيه وحرمته من قبل ، إلا أن صحته كانت مختلة ، فمات في سنة ۱۳۶۰ هس/ ۱۹۲۱ م في القريتين ، ودفن فيها ، وأعراب الروالة كلما مروا بالقريتين يشترون حلواء ويهرعون إلى ضريحه ويخاطبونه قائلين : ( يا شيخ نواف تراهاما من قيتك ) ويزدردون الحلوى ويرجعون ، وكان له عدة أنجال بقي منهم الأمير فواز ونايف ونواش ، فنواش مع بدو الروالة دائماُ ، ونايف أمه بنت سطام الفائز وأخت مثقال الفائز شيخ مشايخ بني صخر ، وهو موظف عند جلالة ابن السعود .

وأما الأمير فواز الذي أمه بنت سطام الشعلان ، فهو عصري مدني في معيشته ، حسن الطلعة ، أنيق البزة ، ورث عن جده رئاسة العشيرة العظية والثروة الحسية ، والنباهة والحرمة البالغة لدى العرب والفرنج ، في بلاد الشام وغيرها من البلاد التي يزورها ، فقد زار الحجاز ومصر وأوروبا مرارة ، كما زار في عام 1946 م أمريكا يرافقه الأمير فاعور الفاعور وعلي بك الأطرش ، فلقي هو ورفيقاه احتفاء وترحابة كبيرين من الأمريكان ، ولا سيما من الجوالي العربية التي كانت تتقاطر من كل الولايات المتحدة لرؤيتهم وإكرامهم ، والأمير فواز ذو قدر كبير عند الشخصيات الأجنبية من فرنسيين وإنكليز الذين يترددون عليه ، فيقيم لهم الولائم والحفلات في مضاربه الفخمة في قرية عدرا أو في وسط الصحراء ، فيرون عنده من بذخ الإمارة وكرم البداوة ، وجمال المضارب والصحاري وروعتها، ما يدهشهم ويطلق ألسنتهم بالإشادة ، وأقلامهم بوصف هذه المشاهد والذكريات العربية ، وتسجيلها في مختلف الصحف والمجلات المصورة وغير المصورة في أوروبا وأمريكا .

Scroll to Top