المعتزلة Isolationists
يقال عزل الشيء يعزله عزلاً، وعزله فاعتزل، وانعزل وتعزل: نحاه جانباً فتنحي، وقوله تعالى: “انهم عن السمع لمعزولون “212 سورة الشعراء
أي لما رموا بالنجوم منعوا من السمع، وقوله تعالى : ” وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون” 21 سورة الدخان
أي إن لم نؤمنوا بي فلا تكونوا على ولا معي, ومن المؤكد أن الدلالة اللغوية للفظ كانت هي الدلالة السائدة في عهد رسول الله – – اتساقاً مع ما ورد من آيات القرآن الكريم.
وظل هذا المفهوم سائداً إلى أن كانت الفتنة التي أعقبت مقتل عثمان – رضي الله عنه – ونشبت الحرب بين معسكر علي ومعسكر عائشة – رضي الله عنهما – فيما يسمى بموقعة الجمل، فظهر الاعتزال كموقف سلبي من ناحية عدم وجود نسق فكرى إيجابي من ناحية احترام الدين والالتزام بقواعده،
حيث اعتزل كثير من أصحاب رسول الله – ص- الفتنة مثل: الأحنف بن قيس، وعبد الله ابن عباس، وغيرهم كثير، وكانوا في موقفهم هذا أكثر حرصاً على عدم التورط في موقف يبعدهم عن جوهر الإسلام.
قال الحافظ بن حجر: إن الطبري أخرج بسند صحيح عن الأحنف بن قیس – رضي الله عنه – قال: لقيت طلحة والزبير بعد حصر عثمان فقلت:
ما تأمراني فإني أراه مقتولا؟ قالا: عليك بعلى. ولقيت عائشة بعد قتل عثمان في مكة فقلت: ما تأمريني؟ قالت: عليك بعلي, وعندما خرج هؤلاء الصحابة إلى معركة الجمل لقيهم الأحنف فقال لهم : والله لا أقاتلكم ومعكم أم المؤمنين، ولا أقاتل رجلا أمرتموني بیعته .
ولكن اصطلح على إطلاق اللفظ – المعتزلة – على جماعة تقول بأصول خمسة، ومن لم يقل بها فليس منهم، (التوحيد – العدل – الوعد – الوعيد – المنزلة بين المنزلتين).
وهناك رأي يربط بين التسمية بالاعتزال وبين مسلك الزهد والعبادة، وقد تزعم هذا الرأي ‘جولدتسيهر’ و’هورتين ” .
وهو رأي مردود عليه بأن الزهد والتقشف من السلوكيات التي دعا إليها الإسلام، يقول تعالى: … وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين .. ويقول النبي – ص- : ” ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك “.
وهناك رأي ثالث يرد التسمية بالاعتزال إلى موقف دیني له أبعاد سیاسية وبقضية جدلية أثيرت في مجلس الحسن البصري .
يقول الشهرستاني: دخل واحد على الحسن البصري فقال : يا إمام لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفر يخرج عن الملة، وهم وعيدية الخوارج، وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم لا تضر مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأمة. فكيف تحكم لنا في ذلك؟
فتفكر الحسن في ذلك وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول أن صاحب الكبيرة مؤمن مطلق ولا كافر مطلق، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر، ثم قام واعتزل إلى اسطوانة من اسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن : اعتزل عنا واصل، فسمي هو وأصحابه المعتزلة . .
فعندما قال الخوارج إن مرتكب الكبيرة غير مؤمن؛ لأن إيمانه زال بارتكاب الكبيرة، وافقهم المعتزلة، لكن لما رأوا أن التسوية في الحكم بين الكافر والمرتد، وبين الزاني والسارق والشارب يستبعده العقل والشرع؛ حيث فرق الله بين حكم كل من هذين في الدنيا والآخرة، اكتفوا بإزالة اسم الإيمان عنه، ولم يدخلوه في مسمى الكفر، فابتدعوا ما أسموه: المنزلة بين المنزلتين.
كما أن مقتضى التوحيد عند المعتزلة هو عدم إثبات ما يعرف بصفات المعانی الله تعالى؛ لأن ذلك يوهم التعدد بین الذات الواحدة والصفات المتعددة .
فيؤمنون بالله سميعاً بصيراً عالماً قادراً حياً، لكن لا يقولون إن السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة صفات أزلية قديمة متعلقة بذات الله تعالى؛ لأن ذلك معناه أن توجد الصفة خارج نطاق الذات، أو أن تتعدد الذات بتعدد الصفات، أو أن تكون الذات مركبة من جملة من الصفات. وذلك كله لا يصح، وبالتالي فهو سميع بذاته وليس بصفة هي السمع، ومتكلم بذاته وليس بصفة هي الكلام.
ومن ثم فإنهم يأتون إلى آية تثبت كونه سبحانه متكلماً فيتأولونها بما يوافق نزعتهم كما في قوله تعالى: … ” وكلم الله موسى تكليما ” فيقولون: إن موسى هو المتكلم وليس الله! ومن ثم أوجبوا تأويل الصفات حتى تنسجم مع قوله تعالى : و … ليس كمثله شيء وهو السميع البصير 0
وكانت المعركة حامية الوطيس بين فريق المعتزلة وجمهور أهل السنة بسب هذه القضية التي ترتب عليها قول المعتزلة: ‘إن القرآن مخلوق”، وكانت الطامة في انحياز السياسة الحاكمة إلى جانب المعتزلة وتبني أفكارهم إلى درجة اعتقال وتعذيب المخالفين وتهديدهم في حياتهم.
وتنكر المعتزلة أن يكون الإمام وسيلة لمعرفة الشريعة؛ لأن الشريعة عرف من الكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد والقياس، ويقوم دور الإمام عند المعتزلة في المقام الأول على الموقف السياسي أما صلته بالدين فليس إلا تنفیذ حدود الله أما التحريم والتحليل فيعرف من النص.
كما أن الإمام لا يكون بالوراثة ولا ينتمي الطائفة معينة، ويجب أن يكون ورعاً شديداً وموضع ثقة للمسلمين .
وتتنوع فرق المعتزلة حتى يصعب حصرها، ومن هذه الفرق:
(الواصلية) وهم أتباع واصل بن عطاء الذي سعى بكل جهده إلى نشر مذهبه، فبعث إلى المغرب عبد الله بن الحارث فاستجاب له خلق كثير، وبعث إلى خراسان حفص بن سالم وهناك ناظر جهما وأفحمه، وبعث إلى اليمن القاسم بن السعدي، وبعث إلى الجزيرة أيوب، وإلى أرمينية عثمان الطويل.
( الهذيلية): أتباع أبي الهذيل العلاف (۱۳۰ – ۲۳۰ هـ) أخذ الاعتزال عن عثمان بن خالد عن واصل بن عطاء.
( النظامية): أتباع إبراهيم بن يسار النظام، وقد لقب بالنظام لأنه كان نظاماً للشعر والكلام الموزون، وقد كان قوي الذاكرة، له قدرة على الحوار والجدل .
وقد بلغت المعتزلة قمة مجدها بداية من عصر المأمون (۱۹۸ – ۲۱۸ ه) ثم عصر أخيه المعتصم (۲۱۸ – ۲۲۷هـ) حتى عصر أخيه الواثق (۲۲۷ – ۲۳۲هـ) سواء على المستوى السياسي أو الديني أو الاجتماعي.
ثم بدأ زعماء المعتزلة يكفرون بعضهم، فوجدنا العلاف يؤلف كتاباً يفضح فيه النظام ويهاجمه .
وجعفر بن حرب يكتب كتابا للرد على العلاف. والكعبي يكتب كتابا يهاجم فيه أستاذه الخياط.
وفي وسط هذا المناخ الفكری نشات الأشعرية .