هنالك موقفان متعارضان متطرفان حول هذه المسألة الحساسة جدا والخطيرة بنفس الوقت، لأنها تمس المصلح المباشرة الشعوب العالم أجمع، وخصوصاً البلدان الضعيفة والمتوترة الأوضاع وذات موقع استراتيجي وتاريخي حساس، مثل بلدان الشرق الأوسط.
هذان الموقفين المتعارضان هما :
الموقف المؤمن تماماً بهذه النظرية وبدرجة مبالغة وحرفية بحيث تبدو مثل القدر الإلهي الذي لا يمكن أبدا مواجهته والتخلص من حتميته، وما علينا إلا الخنوع له والتحسر على مصيرنا المظلم.
ويعاني بعض انصار هذه النظرية من نوع الهلوسة أشبه بالخيل إذ يتصورون أن العالم محکوم بمجموعة من الشياطين الجبابرة المتلبسة باشكال بشر.
– الموقف المعاكس الثاني تماماً لمثل هذه النظرية، وينظر الى السياسة العالمية بنوع من السذاجة والرومانسية وكان العالم لا يقوده إلا الحكماء العقلاء العلميين الذين يشتغلون بكل صراحة وعلنية، ولا يفكرون إلا بمصالح شعوبهم، وفي أحسن الأحوال يفكرون بمصالح العالم، وفي أسوء الأحوال يفكرون بمصالحهم الطبقية والشخصية! المهم انهم عقلاء وعلميين ومشاريعهم مكشوفة وأن كل ما يطرح في وسائل الاعلام هو صحيح تماماً ويعبر عن حقيقة السياسة العالمية.
الحقيقة في الوسط
كما تعودنا في (فلسفتنا الوسطية)، ان نبحث عن الحقيقة في الموقف الوسطي بين موقفين متطرفين، فنقول:
. نعم هناك (مؤامرة عالمية) وهنالك قوى سرية تخطط بالسر للتحكم بسياسة العالم، ولكن هذه القوی:
-لا تتكون من شياطين وكائنات خارقة، بل هم بشر مثلنا تجمعهم (المصالح)، ولكن خصوصا تجمعهم (العقيدة). يكفي مطالعة المكتبات ومواقع الإنترنت لتجد أن هنالك العديد من هذه المنظمات السرية العالمية المعروفة بصورة رسمية ومن أبرزها (الحركة الماسونية Maconie) و (حركة المستنيرين Illumunati) و (الجمجمة والعظام Skull and bonds)، وغيرهم.
. بما أن هذه المنظمات تتكون من بشر، فهي إذن مثل كل المنظمات، عرضة للاختلافات الداخلية والتطورات العقاسية بين اعضائها. وهذا يعني أن هنالك منظمات تتراجع وتضعف مثل (الماسونية، وغيرها تتخذ أشكالا جديدة وتنشط وتسيطر، مثل (المستنيرين).
– أن النشاط السري عبر التاريخ، كان ولا زال من أولويات نشاط أية دولة: (أجهزة المخابرات والتجسس)، بل حتى المؤسسات الاقتصادية والعلمية ( التجسس التقني والعلمي). من دون النشاط السري وفنون التعتيم والخداع، لا يمكن لأية دولة أن تستمر وتضمن أمنها داخلياً وخارجياً.
لهذا فإن دول الغرب الكبرى، ومع قوتها العالمية في جميع النواحي العسكرية والاقتصادية والثقافية والتقنية، فان فنون القيادة والتأثير والعمل السري، قد تطورت فيها الى حد بعيد بصورة تفوق التصور.
– یبقی آن تاخذ بنظر الاعتبار هذه الحقيقة المهمة جداً:
ان هذه المؤامرة العالمية، مهما كانت مسنودة مخابراتیاً واقتصادياً وتقنياً واعلامياً، فانها بصورة مطلقة ويقينية، يستحيل عليها التأثير على أي بلد من دون تواطئ وتعامل وشراء ذمم النخب الفاعلة لهذا البلد.
أن قوة هذه المؤامرة العالمية الخارجية تكمن في انقسام الشعب وفساد نخبه وضعف وحدته وهويته الوطنية.
إذن، هذه (المؤامرة العالمية) ليست قوة شيطانية جبارة لا يمكن الفكاك منها، بل يمكن بسهولة لو قرر الشعب ونخبه فعلاً العودة الى الضمير الوطني و الكفاح الشعبي السلمي – الثقافي من اجل الحرية والكرامة.
فمن الحمق والسذاجة الاعتقاد بأن (المقاومة المسلحة) قادرة على مواجهة هذه المؤامرة، بل العكس تماماً، لأن من أول أساليب هذه المؤامرة انها تشجع العنف والعمل المسلح في الشعب المدني من اجل تبرير ممارسة القوة ضده وتفريقه وبث روح العنف والخراب في صفوفه، وهذا بالضبط الذي حصل في العراق ، ليس فقط بعد الاجتياح الأمريكي عام 2003، بل قبل ذلك بسنوات طويلة، حيث كانت النخب العراقية، الحاكمة والمعارضة، جميعها متواطئة وفاسدة ومعدومة الضمير الوطني
دور اليهود
نظرية المؤامرة العالمية ارتبطت دائما بفكرة (دور اليهود القيادي فيها). ولكن مراجعة تفاصيل وتاريخ هذه المؤامرة يعطينا النتيجة التالية:
. إن دور اليهود في قيادة المؤامرة، مضخم جداً ومصطنع، بل هو مقصود لكي تلقي تبعيات هذه المؤامرة على اليهود. افضل تشبيه لنا لتوضيح هذه الإشكالية الحساسة، مسالة (الاسلام المتطرف والقاعدة). فمن المعلوم أن هذه (القاعدة وبن لادن) هي صناعة المخابرات الأمريكية، لكي يكونوا حجة دامغة لتشويه سعة الاسلام والمسلمين، وتبرير غزوهم واضعافهم باسم مكافحة الإرهاب.
نفس الحال بالنسبة ل (الحركة الصهيونية واسرائيل)، بالاضافة الى إبراز بعض الأسماء اليهودية الفاعلة مثل (آل روتشيلد)، لكي تكون واجهة لتسليط الأضواء على دور اليهود في قيادة الغرب والمؤامرة العالمية.
تتوضح لنا خفايا هذه (المؤامرة الخفية ضد اليهود)، لو طالعنا عقيدة (التيار المسيحي الصهيوني المؤثر جدا في امريكا، والذي يلعب دوراً أساسيا في دعم اسرائيل والتحالف مع اليهود .
فانه بالوقت الذي بدعم قيام اسرائیل، يؤمن كذلك بحتمية تدميرها من اجل تحقيق نبوءة التوراة وظهور السيد المسيح، وتحول جميع اليهود الى مسيحيين!
إن وضع اليهود في الواجهة، غايته توريطهم وبث الأحقاد ضدهم وتهيأة أجواء خراب دولتهم المصطنعة وإجبارهم على التخلي عن اليهودية!
الموقف من الغرب وامريكا
من أكبر أخطاء غالبية من يؤمنون بهذه النظرية، الاعتقاد بان معاداة الغرب امریکا من أولويات الكفاح الوطني.
وهذا أيضا تصور ساذج تشجعه المؤامرة نفسها، من أجل حرمان الشعوب المغلوبة من انصارها الحقيقيين من أبناء الشعوب الغربية ونخبها. يتوجب الادراك، بان هذه المؤامرة لا تبتغي فقط شعوب العالم الثالث، بل هي تمارس أيضا ضد شعوب اوربا وأمريكا نفسها، من خلال مسخها اقتصادياً وثقافياً وروحياً والابقاء عليهم كقطعان من جيوش عملية الإنتاج القاسية والمهلكة نفسية وإنسانياً، وجعلهم عبيداً للاستهلاك يلهثون بلا انقطاع من اجل اشباع الغرائز.
لهذا فإن هنالك قطاعات واسعة ومتنامية من أبناء هذه الشعوب وسياسييه ومثقفيه ورجال الدين، ممن يدركون حقيقة هذه اللعبة الجهنمية ويكافحون بكل الطرق من أجل فضحها وإيجاد المشروع الإنساني البديل لها.
إذن المطلوب هو خلق التعاون بين القوى الايجابية الناشطة ضد هذه المؤامرة العالمية في كل من الأوطان النامية وفي اوربا وامريكا.
نقلاً عن كتاب المنظمات السرية التي تحكم العالم